النوم الجيد.. سلاح خفي لحماية القلب واستعادة توازن الجسم
يعد النوم الجيد والمتوازن أحد الأعمدة الأساسية لصحة القلب والأوعية الدموية، إذ تؤكد الدراسات العلمية أن جودة النوم ليست رفاهية، بل عنصر حيوي يحمي القلب ويحافظ على توازن الجسم الداخلي.
ورغم أن التعريف الطبي للنوم الجيد يشير إلى حصول الفرد على أربع إلى خمس دورات متكاملة من النوم الخفيف، والنوم العميق، ونوم حركة العين السريعة (REM)، فإن المفهوم المبسّط الذي يتفق عليه الخبراء هو أن النوم الصحي يعني نومًا متواصلًا لمدة تتراوح بين ست وثماني ساعات دون انقطاع.
لماذا النوم بهذه الأهمية لصحة القلب؟
تنبع أهمية النوم من الأدلة المتراكمة التي أثبتت ارتباط الحرمان منه سواء كان بسبب اضطرابات مرضية مثل انقطاع النفس الانسدادي النومي، أو بسبب الأنماط الحياتية الحديثة بمخاطر القلب والأوعية الدموية.
ومع التوافر المستمر للترفيه والمعلومات عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، باتت الساعات الليلية تمتد، وانخفضت جودة النوم نتيجة العمل المتواصل والاستخدام المتكرر للشاشات حتى وقت متأخر، مما أدى إلى انتشار الحرمان المزمن من النوم وتأثيراته المباشرة على صحة القلب.
ماذا يحدث داخل الجسم أثناء النوم الجيد؟
خلال النوم الطبيعي المتوازن، تحدث مجموعة من التغيرات الحيوية داخل الجسم، أهمها في:
1. الجهاز القلبي الوعائي
ينخفض ضغط الدم ومعدل نبضات القلب بنسبة تقارب 10% أثناء النوم، وهي مرحلة تعرف بـ التنقيط الليلي.
هذه الاستجابة الفسيولوجية ضرورية للحفاظ على مرونة الأوعية الدموية وصحة القلب.
لكن المرضى المحرومين من النوم لا يحققون هذا الانخفاض، وتكون هذه إحدى العلامات المبكرة لارتفاع ضغط الدم.
2. الجهاز الهرموني
يفرز هرمون الكورتيزول المعروف بهرمون التوتر بكميات كبيرة في ساعات الصباح الباكر، ثم ينخفض تدريجيًا خلال اليوم.
أما لدى المحرومين من النوم، فينخفض إفراز الكورتيزول بنسبة تصل إلى 30% في الصباح، ثم يرتفع خلال ساعات ما بعد الظهيرة، مما يؤدي إلى اضطراب الإيقاع الهرموني الطبيعي للجسم.
3. عمليات الإصلاح والتجديد
تضعف القدرة على تجديد الخلايا وإصلاح الأنسجة بشكل كبير عند من يعانون من نقص مزمن في النوم.
هذا الضعف يزيد من احتمالات الالتهاب المزمن، وهو عامل يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة، ومقاومة الأنسولين، وقصور القلب.
ولهذا، يُعد النوم الأمثل عنصرًا حيويًا للحفاظ على استقرار عمليات الجسم الداخلية وصحة القلب على المدى الطويل.
أمراض تتفاقم بسبب الحرمان من النوم
تشير الأبحاث إلى أن الحرمان المزمن من النوم يزيد احتمالات الإصابة بـ:
اضطرابات نظم القلب
اضطرابات التمثيل الغذائي
السمنة
مرض الشريان التاجي
قصور القلب الاحتقاني
أما المرضى الذين يعانون بالفعل من ارتفاع ضغط الدم أو السكري، فإن قلة النوم تؤدي إلى تفاقم حالتهم، وتزيد صعوبة التحكم في مستويات السكر والضغط، كما تتطلب تناول المزيد من الأدوية.
النوم وسيلة علاجية يجب عدم تجاهلها
غالبا ما يهمل الأطباء والمرضى على حد سواء سؤالًا بسيطًا لكنه مهم: كيف تنام؟
إلا أن هذا السؤال قد يكشف عن سبب خفي وراء تدهور صحة القلب لدى المرضى الذين يحتاجون إلى أدوية متعددة أو علاج نفسي أو يعانون من ارتفاع غير مُتحكم به في الضغط أو السكر.
وفي العديد من الحالات، يكون السبب الجوهري هو: سوء جودة النوم.
إن توجيه المرضى لتحسين عادات النوم عبر تقليل الشاشات ليلًا، الالتزام بوقت نوم ثابت، وخلق بيئة نوم هادئة قد يكون من أهم التدخلات التي تسهم في استعادة توازن الجسم وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية بشكل ملحوظ.



