تحول مفاجئ في طهران: إيران تلوّح بوقف تخصيب اليورانيوم بالكامل وسط ضغوط اقتصادية وسياسية متصاعدة
تلوح طهران بإحداث انعطافة كبرى في سياستها النووية، بعد إعلان المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية أن البلاد تدرس وقف تخصيب اليورانيوم نهائياً، في خطوة توصف بأنها الأكثر جرأة منذ سنوات من الجمود والتصعيد مع الغرب.
وتأتي هذه الإشارات في وقت تواجه فيه إيران أزمة اقتصادية خانقة وتراجعاً تاريخياً للعملة المحلية، مما يدفع بعض الدوائر السياسية لإعادة تقييم كلفة البرنامج النووي وتأثيره على المصلحة الوطنية.
إيران تدرس خيار وقف التخصيب بالكامل
أشارت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، في تصريحات نقلتها صحيفة "اعتماد"، إلى أن طهران تبحث بجدية احتمال إيقاف تخصيب اليورانيوم بشكل كامل.
وأكدت أن عمليات التخصيب "لا تتم حالياً"، وأن خيار الإيقاف النهائي يخضع لتقييم مؤسسات عليا تشارك في صناعة القرار النووي داخل البلاد.
وأوضحت مهاجراني أن منظمة الطاقة الذرية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي يقومون حالياً بدراسة ملف التخصيب من جميع جوانبه، قبل اتخاذ قرار وصفته بـ"الحاسم" والمتوافق مع المصالح الوطنية.
وتشكّل هذه التصريحات تحوّلاً لافتاً، خصوصاً أن إيران دافعت خلال السنوات الماضية عن حقها المطلق في تخصيب اليورانيوم، مع رفض أي تنازلات يعتبرها المتشددون مساساً بالسيادة الوطنية.
إشارات إيجابية تجاه استئناف المحادثات مع واشنطن
أطلق مستشار بارز للمرشد الإيراني علي خامنئي مؤشراً آخر على احتمال وجود مرونة في الموقف الإيراني، معلناً استعداد طهران لاستئناف المحادثات النووية مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن كمال خرازي، المستشار المقرب من خامنئي، قوله إن إيران مستعدة أيضاً للتفاوض حول خفض درجة التخصيب في إطار صفقة جديدة محتملة.
ويعكس تصريح خرازي تغيراً في لهجة القيادات العليا، بعد مرحلة طويلة من التوتر مع واشنطن منذ انهيار الاتفاق النووي السابق وعودة العقوبات الأميركية، التي فاقمت من حدّة الأزمة الاقتصادية الداخلية.
أزمة اقتصادية تاريخية تضغط على القرار السياسي
تعيش إيران وضعاً اقتصادياً هو الأكثر تعقيداً منذ عقود، نتيجة العقوبات الدولية المرتبطة بالملف النووي.
وتشهد العملة الوطنية "الريال" تراجعاً شبه يومي، فيما يواصل التضخم تسجيل مستويات غير مسبوقة، تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وأسعار السلع الأساسية.
وتؤكد تقارير اقتصادية أن العقوبات الأميركية والأوروبية أغلقت منافذ تصدير رئيسية أمام إيران، ودفعت قطاع النفط إلى الحد الأدنى من قدرته الإنتاجية والتصديرية.
فيما تتصاعد الشكاوى الشعبية من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتزايد البطالة، وتراجع القوة الشرائية بشكل حاد.
ويشير مراقبون إلى أن الأزمة الحالية باتت تضرب ركائز الاقتصاد الإيراني، ما يدفع دوائر صنع القرار إلى التفكير في حلول سياسية تخفف الضغط الدولي، وعلى رأسها مراجعة مسار البرنامج النووي.
جدل داخلي حول كلفة المشروع النووي ومصلحة البلاد
تتصاعد أصوات داخل إيران ترى أن مواصلة مشاريع التخصيب بشكلها الحالي لا يخدم المصلحة الوطنية، خصوصاً في ظل تأثير العقوبات المباشر على الاقتصاد وحياة المواطنين.
ويحذر سياسيون وخبراء اقتصاديون من أن الإصرار على مسار المواجهة النووية قد يدفع البلاد نحو انهيار اقتصادي يصعب احتواؤه.
وتؤكد تحليلات داخلية أن أي تخفيف في التوتر مع الغرب من شأنه فتح الباب أمام مكاسب اقتصادية واسعة، تشمل تخفيف العقوبات، واستعادة جزء من العائدات النفطية، بالإضافة إلى تحسين فرص الاستقرار الاجتماعي.
الحل السياسي يبرز كخيار وحيد لتجنب الانهيار
يشدد مراقبون على أن الحل السياسي ما زال الخيار الواقعي الوحيد لمنع تفاقم الأزمات.
ويرى هؤلاء أن العودة إلى طاولة المفاوضات قد تشكل فرصة لطهران لإعادة التوازن بين مصالحها النووية وأولوياتها الاقتصادية، في وقت أصبح فيه الضغط الشعبي والاقتصادي عاملاً لا يمكن تجاهله.
وتظهر مواقف بعض القيادات استعداداً متزايداً لتقديم تنازلات محسوبة، إذا ما ضمنت الحفاظ على الحد الأدنى من المكاسب الاستراتيجية لإيران، وتجنبت في الوقت نفسه غضب الشارع المتضرر من التضخم وتراجع مستوى المعيشة.

