في اليوم العالمي للوقاية من الانتحار: 700 ألف حالة انتحار سنويًا حول العالم

اليوم العالمي للوقاية من الانتحار، وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يقدم أكثر من 700 ألف شخص سنويًا على إنهاء حياتهم بالانتحار حول العالم، لتصبح هذه الظاهرة من أخطر الأزمات الصحية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات.
اليوم العالمي للوقاية من الانتحار
والأخطر أن نحو 50% من حالات الانتحار بين الفئة العمرية 18 – 30 عامًا ارتبطت بمشكلات شخصية وعاطفية وأسرية وضغوط الزواج، ولا يزال الانتحار أحد أهم أسباب الوفاة لدى الفئة العمرية 15 – 29 عامًا، ما يعكس حجم المأساة بحسب Times of india.
هذه الأرقام لا تعكس مجرد إحصاءات، بل هي قصص إنسانية انتهت قبل أوانها: آباء وأمهات، أصدقاء وزملاء، شباب وفتيات.
ومع ذلك، كثيرًا ما يختزل الانتحار في جملة قاسية يرددها البعض: "لماذا لم يكونوا أقوى؟" أو "لقد استسلموا بسهولة".
لكن الحقيقة أن الانتحار ليس ضعفًا، وليس نقصًا في الإرادة، بل هو قضية طبية واجتماعية معقدة ترتبط بكيمياء الدماغ والجينات واستجابات الجسم للتوتر.
أبعاد طبية ونفسية
توضح الدكتورة كانيشكا ميل سينغ، استشارية نفسية " يعد السيروتونين أحد أهم العوامل البيولوجية المرتبطة بخطر الانتحار، ويُطلق عليه غالبًا اسم منظم المزاج في الدماغ، ولتبسيط الفكرة، يمكن مقارنته بنسبة السكر في الدم."
وكما يحتاج مرضى السكري إلى دواء منتظم للتحكم في مستويات السكر، يحتاج المصابون بالاكتئاب أو الأفكار الانتحارية إلى أدوية تساعد على استقرار كيمياء الدماغ. الانتظام في العلاج يُعيد التوازن للجسم، بينما إهماله قد يفاقم الخطر.
العلاج النفسي والدوائي يتطلب وقتًا وصبرًا، تمامًا كعلاج ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الغدة الدرقية.
وعادة ما تتحسن الحالة تدريجيًا مع الاستمرار في العلاج، بل قد يتمكن المريض من تخفيف الأدوية تحت إشراف الطبيب مع مرور الوقت.
ولهذا فإن مضادات الاكتئاب ليست مجرد مسكنات، بل وسائل فعالة لإعادة التوازن البيولوجي وتقليل خطر الانتحار.
وصمة العار وخرافة الإدمان
لا تزال وصمة العار تحيط بالعلاج النفسي في كثير من المجتمعات.
ومن أبرز الخرافات المنتشرة أن الأدوية النفسية تسبب الإدمان لكن الحقائق الطبية تؤكد أن مضادات الاكتئاب ومثبتات المزاج لا تسبب الإدمان.
بعض الأدوية المهدئة الخاصة بالقلق أو الأرق قد تُسبب الاعتماد إذا استُخدمت لفترات طويلة، ولهذا يصفها الأطباء لفترات قصيرة لا تتجاوز 4 إلى 6 أسابيع.
هل للوراثة دور؟
تشير الدراسات إلى أن 30 – 50% من خطر الانتحار قد يكون له عامل وراثي، وهذا لا يعني أن الانتحار ينتقل بالوراثة كما ينتقل لون العينين، بل أن بعض الأشخاص قد يمتلكون قابلية بيولوجية أكبر، تمامًا كما يحدث مع أمراض القلب أو السكري.
ومع ذلك، يبقى الوعي المبكر والعلاج المناسب قادرين على تقليل المخاطر بشكل كبير.
التوتر وتأثيره
يلعب التوتر دورًا رئيسيًا في زيادة خطر الانتحار، فالدماغ والجسم يتواصلان عبر ما يُعرف بـ محور HPA المسؤول عن استجابة الجسم للضغوط.
عند الأشخاص الأكثر عرضة للانتحار، يفرز الجسم كميات مفرطة من الكورتيزول (هرمون التوتر)، مما يجعلهم أكثر حساسية للمواقف التي قد تبدو عادية لغيرهم.
وتظهر فحوصات الدماغ أن هناك تغيرات في مناطق الدماغ المسؤولة عن العواطف واتخاذ القرار.
هذه التغيرات ليست دليلًا على ضعف، بل على أن العوامل البيولوجية تُؤثر بعمق في مشاعرنا وقدرتنا على مواجهة الضغوط.
الانتحار: حالة صحية وليست فشلًا أخلاقيًا
الانتحار ليس خطأ أخلاقيا ولا "خطيئة شخصية"، بل هو حالة صحية معقدة تسبب تغييرات واضحة في الدماغ والجسم.
وكأي مرض آخر، يحتاج إلى تشخيص مبكر، وعلاج مناسب، وتعاطف إنساني.
وفي اليوم العالمي للوقاية من الانتحار، يبقى الأمل قائمًا: الانتحار يمكن منعه، والمساعدة متاحة.