الدولار تحت الضغط.. تراجع الثقة في الجنوب يعيد رسم خريطة الاحتياطيات العالمية
تشهد الثقة بـ الدولار الأمريكي تراجعًا متزايدًا في دول الجنوب، والسبب لا يقتصر على عوامل اقتصادية، بل يمتد إلى سياسات واشنطن نفسها، من الرسوم الجمركية على الحلفاء والخصوم على حد سواء، إلى محاولة البيت الأبيض التأثير على استقلالية البنك المركزي، وصولًا إلى الدين الأمريكي المتصاعد واستخدام الدولار كسلاح اقتصادي في العقوبات.
كما تلعب المنافسة المتصاعدة مع الصين وتراجع بعض الاتفاقيات الأمنية في الشرق الأوسط دورًا مهمًا في تقويض الثقة بالعملة الأمريكية.

الصين والخليج يعيدان رسم خارطة الاحتياطيات الدولارية
في هذا الصدد، قال خبير مالي إن مرونة سعر صرف اليوان قللت الحاجة لتكديس الدولارات، كما أن الصين تتجه الآن نحو تعويم جزئي لليوان، مما يجعل التدخلات أقل ويخفض الاعتماد على الأصول الدولارية.
كما أشار إلى أن دول الخليج لم تعد تودع فوائضها في السندات الأمريكية كما في السابق، إنهم ينفقون مليارات الدولارات في مشاريع داخلية ضخمة، ويستثمرون أكثر في الخارج في أصول متنوعة، مثل الأسهم والعقارات والمناجم، وهذه التحولات تقلل من التدفقات الدولارية إلى واشنطن.
وأوضح أن احتياطيات الصين من الدولار انخفضت من 4 تريليونات دولار في 2014 إلى 3.3 تريليون دولار اليوم، مع زيادة استخدام اليوان في التجارة الدولية من 2% في 2010 إلى 25% في 2023.
كما أن الإنفاق المحلي المتزايد والاستثمارات الضخمة مثل كأس العالم في قطر والمدن المستقبلية في السعودية قلصت التدفقات إلى الولايات المتحدة، وجعلت صناديق الثروة السيادية تتجه نحو استثمارات أكثر تنوعًا وأعلى مخاطرة بدلًا من الإقراض التقليدي للحكومة الأمريكية

الدولار لا يزال محافظًا على مركزه العالمي
لكن يرى بعض خبراء الاقتصاد أن الدولار لا يزال محافظًا على مركزه العالمي، حيث إن الدولار قوي بسبب أن الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، وأسواقها المالية عميقة، ولديها جيش قوي، إضافة إلى أن استثمارات الشركات والدول الكبرى في الاقتصاد الأمريكي تضمن استمرار تدفق الأموال.
وأضافوا أنه رغم ذلك، فإن هناك مؤشرات مهمة تظهر تراجع هيمنة الدولار، وأن حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية انخفضت من أكثر من 70% منذ مطلع القرن إلى أقل من 60% حتى اليوم، مما يعكس تغير الاعتماد العالمي عليه تدريجيًا.
التداعيات على الاقتصاد الأمريكي
وأشار خبير مالي إلى أنه في الماضي كانت الصين والخليج يعيدان تدوير مدخراتهما في سندات الخزانة الأمريكية، مما خفض تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة وسهل القروض للمستهلكين والشركات، ومع الانسحاب التدريجي من الأصول الدولارية، سنشهد ارتفاع أسعار الفائدة تدريجيًا، مما سيؤثر على تكلفة التمويل والاستثمار المحلي.

الدولار سلاح جيوسياسي
وأضاف خبير في السياسات النقدية الدولية أن الدولار لم يعد مجرد عملة، بل أصبح أداة ضغط، والمثال الأبرز على ذلك هو تجميد أصول روسيا بقيمة 300 مليار دولار بعد غزو أوكرانيا، فهذه الخطوة تظهر استعداد الولايات المتحدة لاستخدام الدولار كورقة ضغط، وهو ما يقلق الصين ودول الخليج.



