رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

واشنطن تصعّد الموقف: إلغاء مفاجئ لاجتماعات قائد الجيش اللبناني بسبب بيان ينتقد إسرائيل

قائد الجيش اللبناني
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل

جاء قرار واشنطن بإلغاء اجتماعات كانت مقررة مع قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل ليفتح باباً واسعاً للتساؤلات حول طبيعة العلاقة الأميركية اللبنانية في ظل توتر حدودي متصاعد مع إسرائيل. 

موقف مفاجئ حمل دلالات سياسية واضحة، وفرض إعادة قراءة البيان الذي أصدره الجيش اللبناني، والذي اعتبرته الولايات المتحدة خروجاً عن السياق الذي تنتظره من مؤسسة ترتبط معها بتاريخ طويل من الدعم العسكري والتعاون الأمني.

إلغاء أميركي مفاجئ يعيد رسم المشهد السياسي

شهدت العلاقات العسكرية بين بيروت وواشنطن تطوراً لافتاً بعدما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين لبنانيين مطلعين تأكيدهما أن الولايات المتحدة ألغت اجتماعات كانت مقررة مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن. 

قرار الإلغاء جاء نتيجة اعتراض أميركي على بيان أصدره الجيش اللبناني يوم الأحد حول التوتر الحدودي مع إسرائيل.

وأكد مسؤول أمني لبناني لـ"رويترز" أن الإلغاء كان مفاجئاً وصادماً، الأمر الذي دفع قائد الجيش إلى اتخاذ قرار سريع بإلغاء الزيارة بالكامل. وكان من المتوقع أن يصل العماد هيكل إلى العاصمة الأميركية أمس الثلاثاء لعقد اجتماعات متعلقة بالمساعدات العسكرية والتعاون الأمني على الحدود، في خطوة كانت تُعد استمراراً لمسار طويل من الدعم الأميركي للمؤسسة العسكرية اللبنانية.

دعم أميركي تاريخي يواجه اختباراً حقيقياً

جسّد الدعم الأميركي للجيش اللبناني أحد أبرز مرتكزات السياسة الأميركية في لبنان، إذ تجاوزت قيمة هذا الدعم ثلاثة مليارات دولار خلال العقدين الماضيين. 

الدعم جاء في إطار استراتيجية تهدف إلى تعزيز مؤسسات الدولة في بلد لطالما لعب فيه حزب الله المدعوم من إيران دوراً عسكرياً وسياسياً مؤثراً.

وارتبطت هذه السياسة بجهود واشنطن المتواصلة لضمان استقرار الحدود الجنوبية ومنع أي تصعيد يمكن أن يشعل مواجهة واسعة بين لبنان وإسرائيل. 

لذلك، شكّل البيان الصادر عن الجيش اللبناني صدمة في الأوساط الأميركية بعدما تضمّن لهجة اعتبرتها واشنطن منحازة ضد إسرائيل، بما لا يتناسب مع توقعاتها من شريك تعتبره “استراتيجياً”.

اتهامات مباشرة لإسرائيل في بيان الجيش اللبناني

حمل بيان الجيش اللبناني الصادر يوم الأحد لهجة حادة تجاه إسرائيل، متهماً إياها بالإصرار على "انتهاك السيادة اللبنانية" والتسبب في "زعزعة الاستقرار". 

البيان أكد أيضاً أن هذه الانتهاكات تعرقل استكمال انتشار الجيش في الجنوب، ما يعكس حجم التوتر الميداني في المنطقة.

وجاء في البيان استنكار واضح لـ"استهداف إسرائيل دورية لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل"، مع تأكيد قيادة الجيش على أنها تعمل بالتنسيق مع الدول الصديقة لوضع حد للخرقات الإسرائيلية المتواصلة. 

ووصف الجيش تلك الانتهاكات بأنها "تصعيد خطير" يستدعي تحركاً فورياً من المجتمع الدولي.

واقع ميداني متوتر واتفاقات هشة على المحك

يواصل الجيش الإسرائيلي احتلال خمسة مواقع داخل الأراضي اللبنانية، وينفذ غارات جوية متكررة في الجنوب بحجة استهداف مواقع ومقاتلين تابعين لحزب الله. 

وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل عام، والذي نص على عدم امتلاك حزب الله أي أسلحة في الجنوب، فإن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين تكشف هشاشة هذا الاتفاق.

الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا يلزم الجيش اللبناني بمصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، وهي المنطقة الأكثر حساسية لقربها من الحدود مع إسرائيل. 

ومع ذلك، تستمر إسرائيل باتهام حزب الله بمحاولة إعادة التسلح، فيما تتهم الحكومة اللبنانية إسرائيل بالتمسك باحتلالها وعدم تنفيذ كامل بنود الاتفاق، إضافة إلى استمرار الغارات الجوية.

ردود فعل أميركية غاضبة وتصريحات قاسية

عبّرت السيناتور الأميركية الجمهورية جوني إرنست عن خيبة أمل كبيرة من موقف الجيش اللبناني، مؤكدة أن واشنطن تعتبره شريكاً استراتيجياً. 

وأشارت إلى أنها ناقشت مع قائد الجيش خلال لقائها به في أغسطس الماضي فرصة إسرائيل التي قدمتها للبنان "للتخلص من حزب الله".

وأضافت إرنست تعليقاً لافتاً قالت فيه إن قائد الجيش اختار تحميل إسرائيل المسؤولية بطريقة مخزية بدلاً من استغلال الفرصة والعمل على نزع سلاح حزب الله، بحسب تعبيرها.

تضع هذه التطورات العلاقات الأميركية اللبنانية أمام منعطف حساس، حيث تلتقي الحسابات السياسية مع التوترات الميدانية في الجنوب.

تحول في موقف واشنطن تجاه لبنان

موقف واشنطن من بيان الجيش اللبناني يعكس تحولاً في مستوى الصبر الأميركي تجاه مواقف الدولة اللبنانية، في وقت تتعاظم فيه الضغوط على بيروت لضبط حدودها الجنوبية والالتزام باتفاقات وقف إطلاق النار. 

ومع إلغاء الاجتماعات، يبدو أن المرحلة المقبلة تحمل مزيداً من التعقيد في واحدة من أكثر الملفات سخونة في الشرق الأوسط.

تم نسخ الرابط