خاص.. بريطانيا ترفع "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب.. خطوة لتثبيت حكم أحمد الشرع أم مناورة غربية؟
تحرك لافت تشهده الساحة السورية مع قرار بريطانيا رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها تحوّل نوعي في مقاربة الغرب للملف السوري.
القرار الذي بدا للوهلة الأولى إجراءً قانونيًا بسيطًا، يخفي خلفه بحسب مراقبين تحولًا استراتيجيًا في الرؤية البريطانية تجاه مستقبل الحكم في دمشق، وخصوصًا بعد صعود أحمد الشرع إلى المشهد السياسي بغطاء دولي متزايد.
في هذا السياق، يقدم الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم، في حواره الخاص لموقع تفصيلة من باريس، قراءة تحليلية تكشف ملامح اللعبة الجديدة التي ترسمها لندن في سوريا، بين إعادة تدوير القوى الجهادية من جهة، وتهيئة الأرضية لحكومة انتقالية مقبولة دوليًا من جهة أخرى.
بريطانيا تفتح الطريق أمام حكومة الشرع
يرى الكريم أن رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب ليس خطوة تكتيكية عابرة، بل تحرك استراتيجي رتبته بريطانيا بعناية ضمن خطة أشمل لإعادة تشكيل النظام السوري الجديد.
ويشير إلى أن لندن لعبت دورًا مركزيًا في رعاية عملية رد العدوان التي مهدت الطريق أمام سقوط نظام الأسد وصعود أحمد الشرع إلى الرئاسة.
ويؤكد أن القرار البريطاني جاء كـ"تتويج" لهذه التحولات، إذ يمثل رسالة واضحة بأن الغرب وتحديدًا بريطانيا يراهن على هيئة تحرير الشام كقاعدة لحكم سوريا خلال المرحلة الانتقالية.
رفع العقوبات ودعم سياسي متدرج
يوضح الكريم أن رفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع وعدد من قادة هيئة تحرير الشام دوليًا، يتكامل مع خطوة لندن في إعادة تأهيل الهيئة سياسيًا.
ويضيف أن بريطانيا أرادت من خلال هذا القرار تشجيع الدول الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة داخل مجلس الأمن، بما يعزز الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة.
لكن الخبير السوري يشير إلى أن هذا الرفع قد يكون مؤقتًا، مؤكدًا أنه "إذا لم يلتزم أحمد الشرع بالمتطلبات الدولية، فقد تعود العقوبات من جديد على الهيئة وحلفائها".
مكافأة سياسية مشروطة
يرى الكريم أن القرار البريطاني يمكن قراءته أيضًا على أنه مكافأة تشجيعية مزدوجة، موجهة لكل من المجتمع الدولي والرئيس أحمد الشرع على حد سواء.
فالغرب، بحسب رأيه، يسعى إلى ضمان استقرار سوريا ومنع انزلاقها إلى جولات جديدة من الحرب، خصوصًا في الشمال الشرقي والجنوب.
ويصف هذا التحرك بأنه اعتراف غير مباشر بالحكومة الانتقالية، بل “احتضان مبكر” من لندن لها قبل تشكيلها رسميًا، ما يعكس نية واضحة في تثبيت شرعية الشرع وحكومته.
تفكيك الترسانة الكيماوية وتهدئة الجبهة الداخلية
يشدد الكريم على أن الدعم البريطاني يمتد إلى ملفات حساسة تتعلق بتدمير الأسلحة الكيماوية، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، ومنع اندلاع حروب أهلية جديدة.
ويقول إن بريطانيا ترى في حكومة الشرع فرصة لإعادة عقلنة الحركة الجهادية وتحويلها إلى كيان مدني سياسي، يمكن التعامل معه دوليًا دون حرج.
ويضيف أن هذا التحول يتماشى مع رغبة لندن في إنهاء الصراعات المذهبية والطائفية التي أرهقت المنطقة، خصوصًا بعد أحداث السويداء والساحل السوري الأخيرة.
دمج النظام الجديد في المحيطين العربي والدولي
يختتم الخبير السوري تحليله بالتأكيد على أن بريطانيا وواشنطن تتحركان في مسار واحد يهدف إلى دمج النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع داخل المجتمعين العربي والدولي.
ويشير إلى أن هذا المسار يقوم على إظهاره كوجه مقبول سياسيًا، عبر مؤتمرات دولية ومشاركات دبلوماسية مكثفة، بالتوازي مع انفتاح عربي من السعودية وقطر وتركيا ودول الخليج.
ويعتبر الكريم أن الهدف النهائي هو استخدام الحكومة الجديدة كأداة لعقلنة التيار الجهادي، وتوظيف خبراته في مكافحة التطرف وداعش، كما حدث سابقًا مع التيارات الشيعية المتشددة، ما يعيد رسم توازنات القوة في سوريا والمنطقة بأكملها.
الكريم حذّر من أن الرفع الحالي قد يكون مؤقتاً ومرهوناً بسلوك القيادة الجديدة، لكنه اعتبره أيضًا مؤشرًا على تحول عملي في مقاربة القوى الدولية لسوريا الانتقالية.
الخبير خلص إلى أن التعامل المقبل من المجتمع الدولي سيعتمد على مدى التزام الشرع والهيئة بمقاييس الاستقرار ومكافحة التطرف، وفي حال الانصياع فقد يتحول هذا التمهيد إلى اعتراف أوسع ودعم فعلي، أما في حال الخلاف فستعود العقوبات أو تتصاعد الإجراءات.



