خبير العلاقات الدولية يكشف لـ تفصيلة كواليس لقاء الشرع وبوتين: موسكو منحت دمشق رخصة سياسية وألزمتها باتفاقيات ما بعد الأسد

وصول الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة الروسية موسكو مثّل حدثاً سياسياً فارقاً، يؤكد أن سوريا دخلت فعلاً مرحلة جديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

الاستقبال الرسمي الذي حظي به الشرع في قصر الكرملين من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عكس حجم الاهتمام الروسي بالحكومة السورية الجديدة، وفتح الباب أمام إعادة صياغة التحالف بين البلدين على أسس مختلفة توازن بين الشراكة والسيادة.

اللقاء بين بوتين والشرع، وهو الأول منذ تغيّر السلطة في دمشق، حمل دلالات عميقة، أبرزها أن موسكو ما زالت تعتبر سوريا ركيزة أساسية في استراتيجيتها الإقليمية، لكنها في الوقت نفسه تسعى لتثبيت واقع سياسي جديد لا يقوم على شخص أو نظام، بل على دولة مستقرة ذات مؤسسات فاعلة.

روسيا تمنح دمشق رخصة سياسية وتضع شروط التعاون
الباحث في الشؤون الروسية الدكتور محمود الأفندي أكد في تصريحات خاصة لموقع تفصيلة أن موسكو تعاملت بواقعية شديدة بعد سقوط النظام السابق، ومنحت الحكومة السورية الجديدة ما وصفه بـ"رخصة سياسية" مؤقتة، نظراً لافتقارها للخبرة في إدارة العلاقات الدولية وصنع القرار السياسي.
وقال الأفندي إن عدة لقاءات تمهيدية سبقت قمة اليوم بين الرئيسين، هدفت إلى تهيئة الأجواء وترتيب النقاط الخلافية قبل اللقاء الرسمي في الكرملين.
وأضاف أن روسيا أوضحت منذ البداية أن على الحكومة السورية الجديدة الالتزام الكامل بجميع الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين البلدين، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقيات وُقّعت باسم “الجمهورية العربية السورية” وليس بشخص بشار الأسد، وبالتالي فهي ملزمة للدولة بغض النظر عن تغيّر النظام.
الشرع يؤكد الالتزام بالاتفاقيات القديمة
كلمة الرئيس أحمد الشرع الافتتاحية أمام بوتين جاءت لتؤكد ما تم التوافق عليه في الاجتماعات التحضيرية، حيث شدّد على التزام دمشق بجميع الاتفاقيات السابقة مع روسيا، مؤكداً رغبة بلاده في “إعادة تعريف العلاقات” على أسس الاستقلال والسيادة والاحترام المتبادل.
وأوضح الأفندي أن هذا الموقف السوري كان نتيجة مباشرة للنقاشات الطويلة التي جرت مع الجانب الروسي خلال الأسابيع الماضية.
القواعد الروسية تحت المراجعة وتغيير في قواعد الاشتباك
الأفندي أشار إلى أن الوجود العسكري الروسي في سوريا يبقى قائماً في إطار اتفاقيات واضحة، إلا أن موسكو أبدت استعداداً لإعادة توظيف هذه القواعد لأغراض مدنية وتجارية وإنسانية، وليس عسكرية بحتة.
وقال إن وزارة الدفاع السورية حاولت إقناع موسكو باستخدام القواعد الروسية في بعض العمليات ضد قوات المعارضة المسلحة، وعلى رأسها قوات “قسد”، إلا أن روسيا رفضت بشكل قاطع الدخول في أي مواجهة عسكرية داخل الأراضي السورية.
وأشار إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكّد هذا الموقف بشكل علني قبل أيام، موضحاً أن القواعد الروسية في سوريا لن تُستخدم إلا لخدمة الاستقرار الإقليمي، وليس لإشعال صراعات جديدة.
روسيا ترفض الانحياز وتؤكد على الحياد داخل سوريا
الدكتور الأفندي ختم تصريحه بالتأكيد على أن روسيا لن تسمح بأن تكون طرفاً في الصراع الداخلي السوري، مشدداً على أن موسكو تتعامل حالياً بسياسة المسافة الواحدة من جميع القوى على الأرض، بما فيها الحكومة والمعارضة، سعياً للحفاظ على نفوذها السياسي والعسكري دون التورط في معارك جديدة.
وأكد أن موسكو تسعى إلى ترسيخ نموذج جديد في علاقاتها مع دمشق، يقوم على الشراكة لا الوصاية، وعلى دعم الاستقرار لا إدارة الأزمات.
شراكة محسوبة ومرحلة مفصلية
المشهد الجديد بين موسكو ودمشق يعكس توازناً دقيقاً بين المصالح والرؤى.
من جهة، تفتح روسيا ذراعيها للحكومة السورية الجديدة وتمنحها دعماً سياسياً محسوباً، ومن جهة أخرى تضع حدوداً صارمة تمنع الانزلاق نحو صراعات جديدة.
زيارة الشرع إلى الكرملين لم تكن مجرد بروتوكول سياسي، بل إعلاناً عملياً عن ولادة علاقة سورية روسية جديدة، عنوانها الاستقلال المتوازن والتعاون الاستراتيجي دون ارتهان.
