رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

د. . ياسمين عادل تكتب: حق مصر في الحياة ومخاطر السد الأثيوبي علي السودان

تفصيلة

ستظل مصر مدينة بوجودها الطبيعي إلي ذلك النهر الشامخ نهر النيل العظيم أو كما كان يلقب من قبل أجدادنا العظام " حابي " حيث اعتبروه مصدر الحياة والإزدهار لمصر .

فإن مصر المكان هي النيل ذلك الشريان الذي ضخ الحياة في قلب " كيميت " منذ فجر التاريخ حياة منابعها عند الهضبة الاستوائية والهضبة الحبشية وما وفره ذلك الشريان من بيئة طبيعية مكنت المصريين من الإبداع وبناء أقدم حضارة علي وجه الأرض فإذا كان "مصر المكان " من صنع "حابي " فإن مصر المكانة كانت ولازالت من صنع المصري .

تخوض قوي مصر الشاملة بقيادة عقل الدولة المصرية السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي معركة اليقين في حق المصريين في الحياة للحفاظ علي حقوق مصر الطبيعية والتاريخية معركة تصدرت فيها مبادئ التعاون والتفاوض حاملة علي عاتقها تلك الدولة الشريفة هموم شعبها ومصير شعب السودان الشقيق إلا أن الجانب الأثيوبي ظل محتفظا بنهج يعتمد علي المراوغة والإبتزاز والعمل الآحادي وإنتهاك كافة المواثيق والمعاهدات الدولية والتي تنظم التعاون في ملف المياة علي وجهه الخصوص.

وعلي الرغم أن المياه أحد أهم الموارد علي سطح الأرض إن لم تكن أهمها فهو مورد لا يعرف الحدود فيتوجب التعاون في إدارة ذلك المورد من خلال دول حوض النيل والذي يبلغ عددهم 11 دولة أفريقية يمر من خلالها نهر النيل بمسار يبلغ طوله 6695 كم بتغطية مساحة تقدر 3.4 مليون كم٢ فهو أطول أنهار العالم ويمثل مصدر لحياة 41% من إجمالي عدد سكان قارة أفريقيا بنسبة 7% من عدد سكان العالم إلا أن استخدام الماء كسلاح سياسي واللجوء إلى تسيس قضية مياه النيل من قبل أثيوبيا والتي ينبع 71 مليار م٣ من ناتج نهر النيل من تلك الهضبة الإثيوبية من خلال ثلاث أنهار رئيسية النيل الأزرق ونهر السوباط والنهر الثالث هو نهر عطبرة حيث تمثل هضبة الحبشة المصدر الأكبر للمياه بمقدار 85% من المياه التي تصل إلى مصر عند أسوان أما ما تبقي من حصة مصر في المياه تأتي من خلال هضبة البحيرات الاستوائية والتي تشمل بحيرات " فيكتوريا/ جورج / آلبرت / إدوارد " بمقدار 15% من الناتج الكلي والذي يقدر 13 مليار م٣ المسؤولة عن ضخة البحيرات الاستوائية في مياه نهر النيل 
وعلي الرغم من ذلك إلا أنه ليس بأمر جديد وإنما كان لأثيوبيا  محاولات سابقة في فترة السبعينات من القرن الماضي ولكنها لم تتمكن من تنفيذ ما وجهته من تهديد للدولة المصرية برغبتها ببناء سد علي النيل الأزرق يعوق تدفق المياه إلي مصر وينتقص من حصة مصر التاريخية في المياه والتي تقدر 55.5 مليار م٣ ثم جاءت تصرفاتها الأحادية منتهزة لحظات عدم إتزان الدولة المصرية وإنشغالها بالأحداث الداخلية وأعلنت بناء السد في إبريل 2011 في خطوة تجاوزت بها جميع القوانين الدولية والمعاهدات المنظمة لعملية التعاون لإدارة المياه علي أحواض الأنهار الدولية.

إن ما تمارسه أثيوبيا من سيناريو ممنهج تجاه ملف سد النهضة ما هو إلا سلسلة متصلة ومستمرة من ممارسات تعد نهج واضح لأثيوبيا الهدف منه " إغلاق لأحواض الأنهار الدولية " والسيطرة عليها وهو ما فعلته سابقا تجاه " كينيا و الصومال" وببلورة ما سبق يتضح جليا أن الهدف الأكبر الذي تلاقت فيه مصلحة أثيوبيا من مصالح دول معادية لمصر هو إخراج مصر من معادلة التعاون المائي وهو ما ظهر بشكل واضح في محاولات توقيع اتفاقية 
" عنتيبي " واستمالة الجانب السوداني ومحاولة إقصاء مصر في مرحلة ما قبل أن تشرع إثيوبيا في بناء السد في سلسلة من الممارسات المتصلة بنفس الهدف مع الحرص علي النفي المستمر أن الخلافات ماهي إلا خلافات " فنيه " أثناء بناء السد وليس تربص سياسي واضح .

* الخيار التفاوضي 
انتهجت مصر منذ بداية أزمة سد النهضة نهج النفس الطويل وخيار التفاوض وقد أعلن السيد الرئيس أن مصر تخوض 
" معركة تفاوضية ستطول " مع التأكيد علي الرفض القطعي والتام علي التوقيع علي أي التزامات لن تحقق مصالح الشعب المصري وتضمن حقوقه المشروعة في الحياة أو قد يضر بأمن مصر القومي

وفي حين أن كانت مصر تلتزم بالمسار التفاوضي كان الطرف الأثيوبي يحشد الرأي العام العالمي والداخلي والإقليمي ضد الدولة المصرية وإطلاق تحذيرات غير مبررة من أي أعمال قد تستهدف بناء السد .

وعلي الرغم من ذلك مصر الدولة " القوية الرشيدة" صاحبة أقدم جيش نظامي في التاريخ ومن أقوي جيوش المنطقة فهي تملك سلام الردع وإحباط أي محاولة لتهديد حق الشعب المصري في الحياة إلا أنها دائما ما تجعل " خيار الردع " هو الخيار الأخير لعلمها أن تكلفته وما يترتب عليه سيعود ليس علي مصر فقط بل علي الأمن الإقليمي والدولي فعندما تقرر مصر أن تكون طرف في حرب دفاعاً عن أرضها أو حق شعبها في الحياة سيتوقف العالم فهي قلب العالم .

إن تعمد إفشال أثيوبيا لجميع المسارات التفاوضية وأبرزها وساطة الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي والتعنت في الأخذ في عين الإعتبار جميع ملاحظات دول المصب والمتضرر الوحيد من بناء السد بمعايير أحادية مبنية علي أساس غير عادل نتاج رغبة أثيوبيا في عدم تقديم أي التزامات مستقبلية تلزم نفسها بها قد تمثل عائق أمام مخططاتها في السيطرة الكاملة علي نهر النيل في ظل تأجيج متعمد للصراعات الداخلية في دول الجوار وإنشغالهم داخليا عن ما يجري .

إن ملف المياه أحدي الأدوات التي سعت أثيوبيا ومازالت تسعي لتفعيلها للضغط علي مصر وتحجيم دورها وتحركاتها ومكانتها القارية والإقليمية وخاصة تجاه بعض الملفات والدول والتي أبدت أثيوبيا إعتراضها بشكل مباشر وتحفظها علي الدور المصري تجاهها ومن أبرزها " الصومال/ إريتريا/ جنوب السودان/ صوماليلاند " .

* الموقف السوداني تجاه سد النهضة 
ظل الموقف الرسمي السوداني منحازا بشكل لافت لأديس أبابا متناسيا مصالح الشعب السوداني وأمنه المائي والقومي وذلك خلال حقبة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير 
" والمحسوب علي التنظيم الدولي للإخوان" وتنفيذاً لرؤيتة تم إستبعاد كافة الخبراء والفنيين والمتخصصين المعارضين للموقف الذي تبناه تجاه ملف سد النهضة حيث تبنت السودان في تلك المرحلة موقف سلبي للغاية تجاه المفاوضات منذ إجتماع اللجنة الثلاثية والمنعقد في سبتمبر 2014 وظل الموقف السوداني كذلك حتي في مرحلة ما بعد توقيع الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا علي المبادئ في الخرطوم مارس 2015 .

وبالإطاحة بعمر البشير تولت المؤسسة العسكرية في السودان وقوي إعلان الحرية والتغيير إدارة المرحلة وظهرت بوادر تغيير في الموقف السوداني آن ذاك ومع الضغط من القوي السياسية والنخب لضرورة تبني موقف سوداني رسمي مبني علي دراسة موضوعية للمخاطر والمكاسب التي قد تطال أو تنال منها السودان ببناء سد النهضة إلا أن ظل الموقف السوداني متذبذب وغير مستقر.

وفي أغلب الأحيان كان الموقف السوداني منحازا لأثيوبيا وظهر ذلك بشكل واضح مع تحفظ دولة السودان علي قرار الجامعة العربية المؤكد علي حقوق مصر التاريخية في مياة النيل والذي رفض أي إجراء أحادي من جانب أثيوبيا وذلك في مارس 2020 .

الإ أنه مع الضغوط الداخلية في السودان والتغيير السياسي بالتزامن مع التصعيد السافر من تجاه أثيوبيا في المنطقة الحدودية وتغول ميليشيات أثيوبية 15 كيلو في الداخل السوداني ووقوع اشتباكات علي الأراضي السوداني وسقوط شهداء من الجيش السوداني في منطقة " الفشقة" ومع تتابع التطورات وتسبب الإجراء الغير محسوب من الجانب الاثيوبي وإصرارهم علي تنفيذ ملئ السد بشكل أحادي والذي ترتب عليه غرق بعض القري في السودان وموت مواطنين سودانين من جراء ذلك .

تمت المراجعة الشاملة لملف سد النهضة من الجانب السوداني في 2020 مع رفض مقترح أثيوبي بتوقيع إتفاق جزئي يتيح ملئ بحيرة السد واتجهت بخطاب رسمي إلي مجلس الأمن طالبت يطالب بتشجيع الأطراف علي عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تؤثر علي السلم والآمن الأقليمي والدولي في إشارة واضحة لما تنتهجه أثيوبيا.

ومازالت مصر تحمل علي عاتقها في المحافل الدولية الحفاظ علي حق الشعب السوداني في الحياة وتحقيق علي أمنه المائي وضمان عدم تكرار وقائع غرق قري سودانية في ظل ما تمر به السودان داخلياً من صراعات من جانب ميليشيا الدعم السريع والممولة المدعومة من قبل أثيوبيا والذي اتضح بشكل واضح من لقاء آبي أحمد بقائد ميليشيا الدعم السريع حميدتي في بداية الأحداث.

وفي النهاية وفي ظل سكوت المجتمع الدولي ومنظماته  وغض البصر وعجز المنظمات القارية الإ أنه علي الجميع أن يدرك أن مصر تملك من عناصر القوة الشاملة القادرة علي حماية حقوقها وأن السياسة المائية المصرية هي مسألة حياة أو موت لا أقل كما قال الكاتب والمفكر الكبير " جمال حمدان " منذ أكثر من 45 عاماً وإن مصر لن تسمح بفرض سياسية الأمر الواقع وإن مدت قيادتها السياسية الحكيمة حبال الصبر للتوصل إلي اتفاق قانوني ملزم يحمي حقوق ومصالح جميع الأطراف.
 

تم نسخ الرابط