خبير دولي لـ تفصيلة: بوتين يخطط لسوريا ما بعد الأسد.. موسكو تبحث عن نفوذ دائم لا عن حليف عابر

تتجه الأنظار إلى الموقف الروسي من مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد، في ظل تغير موازين القوى الإقليمية والدولية.
الباحث في الشؤون الروسية محمود الأفندي من موسكو، يكشف في تصريحات خاصة لموقع «تفصيلة» كيف ترى موسكو مستقبل دمشق، وما إذا كانت روسيا مستعدة للعب دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل، أو أنها تفضل البقاء في موقع الحليف الحذر الذي يوازن بين المصالح لا العواطف.
روسيا ترى سوريا شريكاً استراتيجياً لا عبئاً سياسياً
يرى الأفندي أن سوريا تمثل لروسيا شريكاً استراتيجياً وتاريخياً مهماً، لذلك تستمر موسكو في الحفاظ على علاقاتها مع دمشق بما يخدم مصالحها القومية.
يؤكد أن روسيا لن تضحي بمصالحها من أجل ما يسميه البعض “المجاملات السياسية”، موضحاً أن الكرملين ينظر إلى أي تحالف من زاوية المنفعة المتبادلة لا العواطف أو الالتزامات القديمة.
وأضاف الباحث أن الموقف الروسي واضح منذ البداية: يجب أن يبقى النظام في سوريا قائماً على أسس اشتراكية، بصرف النظر عن وجود الأسد من عدمه.
كما شدد على أن موسكو لا ترغب في التورط في صراعات الفصائل السورية الداخلية، لأنها تعتبر نفسها ضامناً للتوازن لا طرفاً في النزاع.
موسكو لا تستخدم الجولاني كورقة ضغط
أوضح الأفندي أن روسيا لا تعتبر شخصيات مثل الجولاني أوراق ضغط يمكن توظيفها سياسياً، لأن السياسة الروسية لا تقوم على مبدأ “ورقة مقابل ورقة”، بل على المصالح الثابتة والعلاقات المستقرة.
وأشار إلى أن روسيا تحاول الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف السورية دون الإضرار بعلاقاتها مع أي دولة أخرى.
العلاقات مع أوروبا وأمريكا ليست على حساب دمشق
أكد الباحث أن التقارب الروسي مع أوروبا أو الولايات المتحدة لا يعني التخلي عن دمشق. فروسيا بحسب قوله كانت دوماً الوسيط الذي يسعى لإعادة العلاقات بين النظام السوري والدول الأوروبية في عهد بشار الأسد،
كما سعت موسكو للتوسط بين واشنطن ودمشق في أكثر من مناسبة. ويقول الأفندي: «العلاقات الروسية مع سوريا ليست موجهة ضد أحد، بل قائمة على مبدأ الشراكة والتبادل».
الوساطة مع إسرائيل.. عرض روسي ورفض سوري خاطئ
تطرق الأفندي إلى ملف الوساطة بين سوريا وإسرائيل، مؤكداً أن موسكو كانت قادرة على لعب هذا الدور بفعالية، لكن الحكومة السورية ارتكبت خطأً كبيراً عندما لجأت إلى تركيا وسمحت لأذربيجان بالقيام بدور الوسيط.
ويصف هذا القرار بأنه «انتحاري»، إذ أدى إلى توريط دمشق في حرب الجنوب وحرب السويداء، ما خلف أزمات سياسية وإنسانية مؤلمة.
وأشار إلى أن إسرائيل استغلت الموقف ببراعة وبدأت في قصف قوات الحكومة السورية ودمشق نفسها، ما كشف هشاشة خيار الوساطة الأذربيجانية. وأضاف أن الوسيط الناجح يجب أن يكون قوياً وله ثقل إقليمي، وهو ما يتوافر في روسيا وليس في أذربيجان أو تركيا.
روسيا ضامن محتمل والقرار بيد دمشق
اختتم الأفندي حديثه بالتأكيد على أن روسيا قادرة على أن تكون الضامن الحقيقي لأي تسوية سياسية بين سوريا وإسرائيل، شرط أن تطلب دمشق ذلك رسمياً.
وأوضح أن موسكو لا تفرض نفسها، لكنها تملك الأدوات والقدرة الدبلوماسية التي تؤهلها لقيادة أي عملية تفاوض ناجحة إذا رغبت الحكومة السورية بذلك.
ويرى الباحث أن «سوريا ما بعد الأسد» ستكون ساحة اختبار حقيقي للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وأن مستقبل العلاقة بين موسكو ودمشق سيتحدد بناءً على مدى قدرة روسيا على حماية مصالحها دون الانجرار إلى صراعات جديدة.