رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الشيخ محمد محمود الطبلاوي.. 5 سنوات على رحيل حارس قدسية التلاوة

الشيخ الراحل محمد
الشيخ الراحل محمد محمود الطبلاوي

في مثل هذا اليوم، الخامس من مايو، خفت صوتٌ من أندى الأصوات التي قرأت كتاب الله، لكنه لم يغب. 

خمسة أعوام مرت على رحيل الشيخ محمد محمود الطبلاوي، نقيب قرّاء مصر السابق، وأحد أعلام التلاوة في العالم الإسلامي، وما زال صوته يتردد في المسامع، محفورًا في الوجدان، كأنما يُعيد الحياة إلى كل حرف من آيات القرآن الكريم.

الشيخ محمد محمود الطبلاوي
الشيخ محمد محمود الطبلاوي

صوت من السماء

وُلد الطبلاوي في 14 نوفمبر 1934، بحي ميت عقبة في الجيزة، في بيت لا يعرف من الذكر إلا القرآن، ولا من المجد إلا في حفظه. 

أتم حفظ كتاب الله كاملًا وهو في التاسعة من عمره، لكن الحفظ لم يكن هدفه، بل وسيلته إلى ما هو أعظم: أن يهب عمره لخدمة القرآن تلاوة وتجويدًا، وأن يصل صوته إلى كل من يعشق كتاب الله.

طفل عاشق للقرآن

منذ صغره، لُقِّب بـ"الطفل المعجزة"، لما امتلكه من نَفَس طويل وخامة صوت نادرة، صعدت موهبته بصمت وإصرار، حتى طرق أبواب الإذاعة المصرية أكثر من مرة، ونجح أخيرًا في الانضمام إلى صفوف قرائها عام 1970، في مواجهة لجنة استماع ضمّت عمالقة التلاوة حينها.

الشيخ محمد محمود الطبلاوي
الشيخ محمد محمود الطبلاوي

مدرسة فريدة ومقامات تُبكي القلوب

امتاز الشيخ الطبلاوي بأسلوبه الفريد الذي مزج فيه بين أصالة المقامات المصرية وروحانية المدرسة الحجازية، فكانت تلاوته تمس القلب قبل الأذن. 

لم يكن يقلد أحدًا، بل صنع لنفسه مدرسة قائمة بذاتها، تخرّج فيها العشرات ممن أحبوا القرآن وأحبوا أن يقرؤوه على طريقته.

قرأ الطبلاوي في أرجاء الدنيا، من المسجد الحرام إلى أندونيسيا، ومن المحافل الرسمية إلى الجلسات القرآنية الشعبية، وكان من أوائل من قرأوا القرآن الكريم في المسجد الأقصى قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، في مشهد ظل يرويه بفخر.

الشيخ محمد محمود الطبلاوي والشيخ عبد الباسط عبد الصمد
الشيخ محمد محمود الطبلاوي والشيخ عبد الباسط عبد الصمد

نقيب القراء

في عام 2006، تولّى الشيخ الطبلاوي منصب نقيب قرّاء مصر خلفًا للشيخ عبد الباسط عبد الصمد. 

لم يكن المنصب شرفًا بقدر ما كان مسؤولية، تصدى فيها الشيخ لما اعتبره "تشويهًا للتلاوة" على يد غير المتخصصين، وانتقد بوضوح ما أسماه "التلاوات الاستعراضية" التي تُفقد القرآن جلاله.

ظل الطبلاوي مدافعًا عن هيبة التلاوة، وناصحًا للأجيال الجديدة، وبيته في ميت عقبة مفتوحًا لطالبي العلم والمحبين، الذين لطالما قصدوه للاستماع والنصح والتعلّم.

حتى اللحظة الأخيرة كان صوته يرتّل

رغم تقدمه في العمر، لم يغادر الشيخ الطبلاوي ساحة التلاوة حتى آخر أيامه، ظل على عهده مع القرآن، يرتل في المناسبات، يعلّم في بيته، ويوصي دائمًا أن تكون التلاوة "من القلب إلى القلب"، لا مجرد أداء صوتي.

وفي الخامس من مايو 2020، أسلم الشيخ روحه لبارئها عن عمر ناهز 86 عامًا، تاركًا إرثًا هائلًا من التسجيلات والتلاوات التي لا تزال تُبث ليلًا ونهارًا، شاهدة على رجل عاش للقرآن ومات على تلاوته.

 الشيخ محمد محمود الطبلاوي
 الشيخ محمد محمود الطبلاوي

وفاء لا ينقطع

تُقيم أسرة الشيخ الطبلاوي، الاثنين، ختمة قرآنية على روحه الطاهرة، بحضور وفد من نقابة القراء وعدد من محبيه من داخل مصر وخارجها. 

ويُقام الحفل القرآني عند مدفنه في مقابر سيدي عمر بن الفارض بـ"الأباجية"، حيث يوارى جثمانه منذ خمس سنوات.

وأكد المحاسب إبراهيم الطبلاوي، نجل الشيخ، أن الأسرة تحرص سنويًا على إحياء هذه الذكرى، بحضور كبار القرّاء والمحبين، وفي مقدمتهم الشيخ محمد محمد الطبلاوي، أحد أبناء المدرسة القرآنية لوالده.

وقال محمد الساعاتي، مستشار نقابة القراء إن الشيخ الطبلاوي كان نقيبًا محبًا للقراء، صادقًا في عطائه، ومدافعًا عن القرآن، وذكراه ستظل حية في قلوبنا.

رحل الجسد وبقي الصوت والذكر الطيب

لا يزال الشيخ الطبلاوي حاضرًا بيننا، لا بصورته فقط، بل بصوته، بوقاره، وبقلبه الذي سكن فيه القرآن. 

وفي كل مرة تُبث فيها تلاوة من تلاواته، يشعر المستمع وكأنه يجلس أمامه في محرابٍ من الخشوع، حيث لا لغة تُفهم إلا لغة القرآن.

تم نسخ الرابط