أنقرة تلوّح بنفاد الصبر… تحذير تركي لقسد وسط تعثر الاندماج مع دمشق
تصعيد محسوب يطل برأسه في المشهد السوري، مع عودة ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى واجهة التوتر الإقليمي.
تصريحات تركية لافتة تكشف تمسك أنقرة بالحل السياسي، لكنها تفتح الباب في الوقت ذاته أمام سيناريوهات أكثر حدة، إذا استمر الجمود السياسي وتأخر تنفيذ التفاهمات المعلنة.
موقف تركي حذر ورسائل مباشرة
أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الخميس، أن أنقرة لا ترغب في العودة إلى الخيار العسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد شمال سوريا.
حديث فيدان حمل نبرة هادئة في الشكل، لكنه تضمن رسائل واضحة في المضمون، مع تأكيده أن صبر الأطراف المعنية بدأ ينفد نتيجة ما وصفه بالتأخير في تنفيذ اتفاق الاندماج.
تصريحات الوزير التركي جاءت خلال مقابلة مع قناة "تي آر تي وورلد"، حيث شدد على أن أنقرة تأمل أن تسير الأمور عبر الحوار والمفاوضات وبوسائل سلمية.
موقف يعكس، وفق مراقبين، رغبة تركية في تجنب فتح جبهة جديدة، مقابل ضغط سياسي متزايد لدفع قسد إلى خطوات عملية.
تحذير واضح دون تهديد مباشر
لغة فيدان بدت محسوبة بدقة. رفض صريح لاستخدام القوة في الوقت الراهن، يقابله تحذير غير مباشر من استمرار حالة المراوحة.
الوزير التركي أكد أن بلاده لا تريد رؤية أي مبرر للجوء إلى الوسائل العسكرية مجدداً، لكنه شدد في المقابل على ضرورة إدراك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أن الوقت لا يعمل لصالحها.
هذا التوازن في الخطاب يعكس معادلة تركية قائمة على إعطاء فرصة أخيرة للمسار السياسي، مع إبقاء كل الخيارات مفتوحة إذا فشل هذا المسار.
قسد: حوار مستمر بلا نتائج
في المقابل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية قبل يومين أن الحوار القائم مع الحكومة السورية لم يحقق أي تقدم حقيقي حتى الآن، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.
بيان قسد أشار إلى تقديم مقترح شامل يتضمن خطوات وآليات واضحة لاندماجها ضمن الجيش السوري ومؤسسات الدولة، دون تلقي أي رد رسمي من دمشق حتى اللحظة.
القوات الكردية شددت على التزامها بمبدأ الاندماج ضمن إطار الدولة السورية، لكنها ربطت ذلك بضمانات تحافظ على بنيتها التنظيمية ودورها القتالي.
موقف يعكس مخاوف داخلية تتعلق بمستقبل النفوذ العسكري والأمني لقسد في مناطق سيطرتها.
شروط الاندماج وحدود التفاهم
رؤية قسد لعملية الاندماج لا تقتصر على خطوة إدارية أو عسكرية شكلية.
تأكيد واضح صدر عن قيادتها بأن أي اتفاق يجب أن يضمن استمرار قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية، خاصة في ظل التهديدات المتبقية لتنظيمات متطرفة في المنطقة.
هذا الشرط يفتح باب الخلاف مع دمشق، التي تسعى إلى دمج كامل دون استثناءات، ما يفسر حالة الجمود المستمرة منذ أشهر.
اتفاق مارس… توقيع بلا تنفيذ
العودة إلى الخلفية السياسية تكشف أن قائد قسد مظلوم عبدي وقّع في العاشر من مارس الماضي اتفاقاً مع الرئيس السوري أحمد الشرع.
الاتفاق نص على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لقسد في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة الرسمية.
ورغم مرور أشهر على التوقيع، لا تزال خطوات التنفيذ غائبة.
تبادل للاتهامات بين الطرفين حول مسؤولية التعطيل، يقابله تأكيد متكرر بأن قنوات الحوار ما زالت مفتوحة، دون ترجمة ذلك إلى نتائج ملموسة على الأرض.
مشهد مفتوح على الاحتمالات
المشهد الحالي يعكس مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الحسابات التركية مع تعقيدات الداخل السوري.
رسائل أنقرة تبدو واضحة: الحوار أولوية، لكن الصبر ليس مفتوحاً، في المقابل، تواصل قسد التمسك بشروطها، بينما تلتزم دمشق الصمت.
بين هذه الأطراف، يبقى مستقبل شمال شرق سوريا معلقاً، بانتظار خطوة سياسية قد تمنع التصعيد، أو تأخير جديد قد يفتح الباب أمام مسارات أكثر خطورة.



