خبير سوري لـ «تفصيلة»: زيارة الشرع للبيت الأبيض اختبار أمريكي محسوب وليس تقاربًا سياسيًا كاملاً
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض فتحت باب الجدل السياسي على مصراعيه، بين من يراها خطوة جريئة نحو تقارب محتمل مع واشنطن، ومن يعتبرها مجرد مناورة دبلوماسية مدروسة لاختبار النيات.
في هذا الحوار الخاص مع الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم من باريس، يفتح الخبير أوراق المشهد السياسي والاقتصادي المعقد، محللاً خلفيات اللقاء وأبعاده ورسائله الخفية، في ضوء الانقسام داخل الإدارة الأمريكية والمصالح المتشابكة في الشرق الأوسط.
تياران داخل الإدارة الأمريكية.. الحذر والمغامرة
يؤكد الكريم لتفصيلة، أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا لم تُحسم بعد، مشيراً إلى أن الدبلوماسية الأمريكية ما زالت تتسم بعدم الرسمية، خصوصاً أن توماس باراك، الوسيط في هذا الملف، لا يمتلك حتى الآن صفة رسمية داخل إدارة الرئيس ترامب، رغم الدعم الواضح الذي يحظى به من الأخير.
ويشرح الخبير السوري، أن داخل واشنطن تيارين متضادين: الأول شديد الحذر، يمثله البنتاجون، ويرفض التعامل المباشر مع دمشق بسبب تحالفه الوثيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يعتبرها حجر الأساس في الحرب ضد تنظيم داعش والتيارات الإسلامية المتشددة.
أما التيار الثاني، فيرى وفقاً للكريم، أن النهج الاقتصادي والسياسي قد يكون أكثر نفعاً من المواجهة العسكرية المباشرة، معتبرًا أن إشغال التيارات المتطرفة في الحياة الاقتصادية والسياسية الداخلية يمكن أن يؤدي إلى إنهاكها من الداخل، وهو النهج الذي تتبناه وزارة الخارجية الأمريكية.
ترامب بين التيارين.. ورقة الشرق الأوسط
يضيف الكريم أن الرئيس ترامب استطاع استغلال هذا التباين بين المؤسستين لصالحه، إذ وجد في هذا الصراع فرصة لتحقيق مكاسب مزدوجة.
فمن جهة، يسعى لتقليل الهجمات ضد القوات الأمريكية عبر احتواء التيارات الإسلامية المتطرفة، ومن جهة أخرى يستخدم الملف السوري كورقة ضغط ضد خصومه الإقليميين، وفي مقدمتهم إيران، مع تقليص النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة.
ويقول الخبير السوري إن ترامب يتعامل ببراجماتية واضحة، فهو يرى في التقارب المحدود مع دمشق وسيلة لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي، وإشراك قوى سنية معتدلة في مواجهة النفوذ الإيراني، ما يمنحه ورقة إضافية أمام حلفائه في الخليج.
الشرع تحت الاختبار الأمريكي
يرى الكريم أن التقارب بين أحمد الشرع والإدارة الأمريكية ليس تحالفاً كاملاً، بل اختباراً سياسياً محسوباً، الهدف منه معرفة مدى إمكانية الاعتماد على الشرع كوجه جديد يمكن من خلاله تشكيل ما يشبه "الحشد السني"، على غرار تجربة الحشد الشعبي في العراق.
ويشير إلى أن هذا السيناريو، في حال نجح، سيخفف الضغط عن دول خليجية مثل السعودية التي تواجه تيارات إسلامية سنية معارضة، وسيمنح تلك الدول حافزاً لتقديم دعم مالي كبير للمسار الجديد في سوريا، باعتباره حاجزاً في وجه الجماعات المتطرفة.
رمزية اللقاء وتفاصيل لا يمكن تجاهلها
يتوقف الكريم عند الرمزية العالية التي أحاطت بلقاء الشرع في واشنطن، موضحاً أن دخوله من مبنى "آيزنهاور" بدلاً من المدخل الرسمي للجناح الرئاسي ليست تفصيلة بروتوكولية عابرة، بل رسالة دقيقة.
ويضيف أن جلوس الشرع أمام طاولة الرئيس ترامب، بالطريقة التي تم تصويرها بها، يحمل مؤشرات على أنه أصبح جزءاً من دائرة الحلفاء المحتملين في التحالف الدولي ضد الإرهاب، رغم محاولة البعض التشكيك في ذلك عبر نشر صور قديمة لاجتماعات ترامب مع رؤساء آخرين مثل الرئيس الفرنسي.
رسالة إلى الداخل والخارج
يقول الكريم إن اللقاء لم يكن رسالة قبول كامل بالشرع، بل إشارة إعلامية محسوبة، تعني أن واشنطن بدأت فعلاً مرحلة اختبار لشخصه ولسياساته المستقبلية.
ويضيف أن اختيار المدخل الجانبي للقاء يعكس محاولة تجنّب الضجيج الإعلامي وتفادي أي تصريحات قد تضع ترامب أو الشرع في مواقف محرجة، خاصة مع استعداد وسائل الإعلام الأمريكية والعربية لإثارة الجدل حول هذا الحدث.
رسائل للحلفاء.. لا ترفعوا سقف التوقعات
يوضح الخبير السوري أن اللقاء حمل أيضاً رسائل موجهة إلى الحلفاء الإقليميين، خصوصاً السعودية وقطر، اللتين أبدتا حماساً مفرطاً للاستثمار في سوريا والانفتاح على الحكومة الجديدة في دمشق.
ويتابع قائلاً إن إدارة ترامب أرادت من خلال هذا اللقاء ضبط التوقعات وعدم الاندفاع، وهو ما ظهر في قرار تعليق قانون قيصر مؤقتاً دون إلغائه كما كان متوقعاً، في إشارة إلى أن واشنطن لا تزال تراقب وتختبر قبل أن تمنح الضوء الأخضر الكامل لأي انفتاح سياسي أو اقتصادي على دمشق.
تقارب محدود أم مناورة محسوبة؟
يختم يونس الكريم حديثه بتأكيد أن ما يجري اليوم هو مناورة دبلوماسية ذكية أكثر من كونه تحالفاً حقيقياً.
فالولايات المتحدة، بحسب رأيه، لا تبحث عن شريك دائم بقدر ما تختبر أدوات جديدة لخدمة مصالحها في المنطقة، بينما يحاول أحمد الشرع استثمار هذه اللحظة لإعادة تموضع سوريا في المشهد الدولي بعد سنوات من العزلة.
ويرى أن مستقبل العلاقة بين دمشق وواشنطن سيتوقف على نتائج هذا الاختبار، وعلى قدرة الشرع في إقناع الأمريكيين بقدرته على خلق توازن داخلي وإقليمي دون أن ينزلق في فخ التحالفات المؤقتة.

