السودان بين الحرب والنجاة: كيف أفشل الجيش خطة حميدتي وأعاد رسم خريطة الصراع؟ خبير استراتيجي سوداني يكشف
تقرير تحليلي خاص لموقع "تفصيلة" يكشف كواليس حرب السودان منذ اندلاعها في 15 أبريل 2023، وكيف واجه الجيش محاولة انقلاب سريعة لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، حتى تحولت البلاد إلى ساحة حرب شاملة أعادت تشكيل المشهد السياسي والإنساني في القرن الإفريقي.
في صباح الخامس عشر من أبريل 2023، استيقظ السودانيون على أصوات الرصاص والقذائف تهز العاصمة الخرطوم ومدنًا أخرى، إيذانًا ببداية فصل جديد من الصراع في تاريخ البلاد الحديث.
يقول الباحث والخبير الاستراتيجي في شؤون القرن الإفريقي، أمية يوسف حسن أبوفداية من السودان، في تصريحات خاصة لموقع تفصيلة، إن ما جرى لم يكن وليد لحظة، بل ثمرة تخطيط طويل من قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مدعومًا بعلاقات إقليمية وتنظيم داخلي مع أطراف مدنية طامحة إلى السلطة.
انقلاب لم يكتمل وخطة فشلت في الساعات الأولى
بحسب أبوفداية، كانت الخطة الأصلية لحميدتي تقضي بانقلاب خاطف لا يتجاوز ساعتين، يتم خلاله اغتيال الفريق أول عبدالفتاح البرهان وإعلان حميدتي رئيسًا مؤقتًا.
ثم تُوجَّه أصابع الاتهام إلى الإسلاميين، لتبرير حملة تصفيات واسعة ضد خصومه السياسيين والعسكريين، لكن المفاجأة جاءت من الحرس الرئاسي، الذي تصدى للهجوم على القيادة العامة ببسالة نادرة، ليسقط 35 شهيدًا وهم يدافعون عن قائدهم، وتنهار الخطة خلال ساعات.
هذا الفشل دفع حميدتي للانتقال سريعًا إلى الخطة البديلة: الانتشار الواسع والسيطرة الميدانية على أكبر مساحة ممكنة من السودان.
تمدد ميداني وانهيار إنساني
استفادت قوات الدعم السريع من نفوذها القبلي في دارفور ودعمها الإقليمي، فسيطرت على معظم مناطق الإقليم، باستثناء الفاشر التي صمدت طويلًا قبل سقوطها.
كما تمكنت من دخول الخرطوم والجزيرة وأجزاء واسعة من كردفان، ما تسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة.
يشير أبوفداية إلى أن أكثر من 14 مليون سوداني نزحوا داخليًا، بينما لجأ أكثر من مليوني شخص إلى دول الجوار، أغلبهم إلى مصر.
الجيش يستعيد المبادرة
في أغسطس 2024، شنّ الجيش عملية نوعية في منطقة جبل موية الاستراتيجية، مثّلت نقطة تحول في الحرب، وتمكنت القوات المسلحة بعدها من استعادة معظم المدن والولايات خلال ستة أشهر، حتى لم يبق خارج سيطرتها سوى دارفور وغرب كردفان.
أعاد الجيش تنظيم صفوفه واكتسب دعمًا شعبيًا هائلًا، بعدما ذاق السودانيون قسوة حكم الدعم السريع وانتهاكاته الممنهجة.
سقوط الفاشر... والنقطة الأخطر في الحرب
شهد الأسبوع الأخير تطورًا خطيرًا بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة بارا شمال الأبيض، ثم سقوط مدينة الفاشر بعد 269 محاولة اقتحام فاشلة. بذلك أصبحت قوات حميدتي تسيطر على كامل إقليم دارفور، في واحدة من أكثر المعارك دموية، قُتل فيها آلاف المدنيين.
وقال أبوفدية، إن منظمات دولية توثق جرائم تطهير عرقي وتهجير قسري ارتكبتها هذه القوات بحق قبائل إفريقية، ما جعل سيطرتها السياسية مستحيلة رغم التقدم العسكري.
إدانات دولية وتحول في الموقف العالمي
توالت الإدانات من مصر وتركيا وقطر ودول غربية بعد مجازر الفاشر، ووصفتها بـ"الاستباحة الهمجية"، ورغم تأخرها، إلا أنها عكست تحولًا واضحًا في الموقف الدولي تجاه حميدتي، الذي فقد صورته التي حاول تلميعها لسنوات كقائد إصلاحي.
في المقابل، استغلت بعض القوى الإقليمية الفوضى داخل السودان لتحقيق مصالحها الاقتصادية والعسكرية، خاصة في مناطق الذهب والمعادن النادرة.
معركة الوعي والهوية
يرى أبوفداية أن الجيش السوداني يواجه اليوم تحديًا مصيريًا في فرض هيبة الدولة دون الانزلاق إلى حرب أهلية طويلة، لكنه يضيف أن هناك مؤشرات أمل حقيقية، فالشعب بدأ يلتف حول الجيش باعتباره المؤسسة الوحيدة القادرة على حماية السودان من التفكك.
فما حدث في 15 أبريل لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل حربًا على هوية السودان ووحدته وسيادته، وما بين الخسائر والمآسي، يظل صمود الجيش والشعب شاهدًا على أن السودان، رغم الجراح، يرفض الانكسار، وأن إرادة الحياة أقوى من رصاص المرتزقة.



