الأزهر يتحدى صمت العالم.. من المستفيد من دماء الفاشر وضياع السودان؟
في لحظة إنسانية فارقة، خرج صوت الأزهر الشريف من قلب القاهرة ليهزّ ضمائر العالم، معلنًا رفضه القاطع لما تشهده مدينة الفاشر في السودان من انتهاكات مروّعة ضد المدنيين.
لم يكن بيان الأزهر مجرّد موقف دبلوماسي، بل كان صرخة إنسانية ودينية تحمل وجع الأمة الإسلامية أمام مشهد دموي يتكرر منذ شهور في السودان.
الفاشر، المدينة التي كانت يومًا رمزًا للتاريخ والكرم السوداني، تحوّلت اليوم إلى ساحة حرب يعلو فيها صوت الرصاص على صوت الحياة، فيما يعيش المدنيون بين القصف والجوع والمرض وفقدان الأمان.
الفاشر.. المدينة الجريحة التي تنزف بصمت
تشهد الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ السودان الحديث.
أحياء كاملة دُمّرت، والمستشفيات خرجت عن الخدمة، والآلاف من الأسر محاصرة في مناطق القتال لا تجد ماءً ولا غذاءً ولا دواء.
الصور القادمة من المدينة تُظهر مآسي لا توصف: أطفال يبحثون عن ذويهم تحت الأنقاض، ونساء يهربن من جحيم القصف، وشيوخ ينتظرون الموت في صمت.
هذا المشهد المؤلم دفع الأزهر الشريف إلى كسر صمته، معلنًا موقفًا واضحًا وصارمًا ضد هذه الانتهاكات التي وصفها بـ"الجرائم المجرّمة في كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية".
في بيانه الرسمي، أدان الأزهر الشريف بأشد العبارات ما يتعرّض له المدنيون الأبرياء في الفاشر من قتلٍ وتجويعٍ وقصفٍ متعمّد وحرمانٍ من الخدمات الطبية والإغاثية.
وأوضح البيان أن ما يحدث في السودان هو تعدٍّ سافر على القيم الإنسانية والمبادئ الدينية التي حرّمت الدماء واعتبرت صيانة النفس البشرية من أعظم مقاصد الشريعة.
وأكد الأزهر أن "من يقتلون اليوم في الفاشر ليسوا أعداء، بل إخوة في الدين والوطن والعرق"، داعيًا الأطراف المتصارعة إلى العودة لصوت العقل قبل أن يُمحى اسم السودان من خريطة الاستقرار الإقليمي.
دعوة إلى حكماء السودان والعالم: تحركوا قبل أن يفوت الأوان
وجّه الأزهر الشريف نداءً عاجلًا إلى حكماء السودان وعقلاء العالم، مطالبًا بتدخل إنساني ودبلوماسي سريع لوقف نزيف الدماء في الفاشر.
وقال البيان إن "التاريخ لن يرحم من صمتوا أو تواطأوا أمام هذه الجرائم"، وإنّ الواجب الشرعي والإنساني يحتم على الجميع العمل من أجل وقف القتال فورًا، وفتح الممرات الآمنة للمدنيين، وتأمين وصول الإغاثة الإنسانية.
كما شدد الأزهر على أن الحل الحقيقي للأزمة لا يمكن أن يكون عسكريًّا، بل سياسيًّا وحواريًّا، يقوم على تغليب مصلحة السودان العليا ووحدته، لا على حساب الفصائل المتصارعة أو القوى الخارجية التي تغذي النزاع.
تحذير الأزهر: السودان في مهبّ الصراعات السياسية
لم يكتف الأزهر بالإدانة والدعوة إلى وقف العنف، بل وجّه تحذيرًا صريحًا من خطورة الانجرار خلف الصراعات السياسية الخبيثة التي تُستخدم كأدوات لتدمير السودان من الداخل.
وأكد البيان أن "الفتنة التي تشتعل اليوم في السودان ليست سوى ثمرة لمخططات وأجندات خارجية تريد أن تُبقي هذا البلد العزيز ضعيفًا، مُمزقًا، غارقًا في الدم والفقر والتبعية".
وأشار الأزهر إلى أن استمرار القتال لن يؤدي إلا إلى انهيار الدولة، وتفكك نسيجها الاجتماعي، وحرمان الأجيال القادمة من التعليم والصحة والأمن، مطالبًا جميع القوى الوطنية بتحمل مسؤوليتها التاريخية قبل أن يُكتب السودان ضمن قائمة الدول المنهارة.
خطوة إنسانية.. الأزهر يعلن استعداده لإرسال قوافل إغاثية عاجلة
في بادرة إنسانية تعبّر عن تضامن حقيقي يتجاوز الكلمات، أعلن الأزهر الشريف عن استعداده الكامل لتسيير قوافل إغاثية عاجلة إلى السودان للمساهمة في إنقاذ المدنيين المحاصرين.
وأكد البيان أن الأزهر على تواصل مع الجهات المختصة لتأمين سبل إيصال المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا، مشددًا على أن هذا التحرك يأتي ضمن مسؤوليات الأزهر كمؤسسة دينية عالمية تضع خدمة الإنسان في قلب رسالتها.
ودعا الأزهر المجتمع الدولي إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وعدم عرقلة جهود الإغاثة، مشيرًا إلى أن من يمنع الغذاء والدواء عن الأبرياء إنما يشارك في الجريمة بصمته وتخاذله.
المجتمع الدولي في اختبار أخلاقي: هل يصغي إلى نداء الأزهر؟
بيان الأزهر وضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وإنساني حقيقي: هل سيقف العالم متفرجًا على نزيف السودان؟ أم سيتحرك لإنقاذه؟
فقد دعا الأزهر الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية إلى تحمّل مسؤولياتهم، والعمل على فرض هدنة إنسانية شاملة تفتح الباب أمام مفاوضات تضع حدًّا للاقتتال العبثي.
وأكد أن استمرار الصراع يعني ضياع السودان بالكامل، وأن "السكوت عن هذه الجرائم هو خيانة للضمير الإنساني"، داعيًا وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية إلى تسليط الضوء على الواقع المأساوي في الفاشر بدلًا من تجاهله في زحمة الصراعات الإقليمية.