علاء خليفة يكتب: حملات التشويه حين يعلو صوت الدفاع عن العقيدة
في كل مرة يعلو فيها صوتٌ مدافع عن ثوابت الدين، ومواجه لخطاب العلمنة المتغوّلة، تتكرر الظاهرة ذاتها: حملات منظمة، مشككة، لا تتوقف عند الفكرة بقدر ما تستهدف صاحبها؛ هذا المشهد يتجدد اليوم مع الشيخ عبد الله رشدي، الذي بات هدفًا لهجوم ممنهج تقوده أطراف اعتادت مصادرة الأصوات الدينية، لا مناقشتها.
اللافت أن جوهر الهجوم لا ينصرف إلى مضمون ما يطرحه الشيخ من أفكار أو ردود، بقدر ما ينشغل بالتشكيك في شخصه، والجدل حول الألقاب العلمية، وتحديدًا مسألة "الدكتوراه"، وكأن قيمة العالم أو الداعية تُختزل في لقب أكاديمي، لا في علمٍ راسخ، ولا في قدرةٍ على البيان، ولا في تأثيرٍ حقيقي في الوعي العام.
التاريخ الإسلامي حافل بعلماء لم يحملوا ألقابًا أكاديمية بالمعنى المعاصر، ومع ذلك كانوا منارات هداية وفكر؛ فمثلاً الشيخ محمد متولي الشعراوي، أحد أعلام التفسير في العصر الحديث، لم يكن "دكتورًا" بالتصنيف المتداول اليوم، ومع ذلك لم يشكك أحد في علمه أو مكانته، إلا من في قلبه مرض، وكذلك كثير من مشايخ الأمة الذين قادوا الوعي الديني وتركوا أثرًا باقياً، دون أن تكون الألقاب هي معيار القبول أو الرفض.
الإصرار على تحويل النقاش إلى مسألة "معاه دكتوراه ولا لأ" ليس بريئًا، بل هو هروب واضح من مواجهة الطرح نفسه، فعندما تعجز عن نقض الفكرة، تلجأ إلى النيل من صاحبها.
السؤال الأهم: لماذا تتصاعد هذه الحملات كلما ظهر من يتصدى بوضوح للدفاع عن العقيدة، ويفكك خطاب الكراهية ضد الإسلام، ويرد على الطروحات العلمانية المتطرفة؟
الإجابة ببساطة أن هذا النوع من الخطاب يربك حسابات كثيرين؛ لأنه يخاطب الناس بلغة واضحة، ويكشف التناقضات، ولا يوارب في القضايا العقدية، وهو ما لا يروق لمن اعتادوا احتكار "الخطاب المقبول" أو فرض وصاية فكرية على المجتمع.
ما يحدث مع الشيخ عبد الله رشدي ليس حالة فردية، بل نمط متكرر تشويه، سخرية، تشكيك، ومحاولات إسقاط أخلاقي أو علمي، في إطار حملة تبدو منسقة أكثر منها عفوية.
في خضم هذا الضجيج، يبقى معيار قديم متجدد وهو إذا أردت أن تعرف أين يقف الحق، فانظر إلى سهام العدو أين تتجه؛ تأمل من يُهاجَم، ومن يهاجِم، ومن يدافع، ومن يصفق، ستدرك حينها أن الصراع ليس حول لقب، بل حول منهج وموقف.
وكما قالوا قديمًا: يُعرَف الحق بأهله ويُعرَف الباطل بأهله، وعندما ترى أهل التشكيك والعداء للدين مصطفّين في خندق واحد، فاعلم أن هناك صوتًا أوجعهم، لأنه اقترب من الحقيقة أكثر مما يحتملون.