وساطة ثلاثية لإنقاذ اتفاق الهدنة.. خطة ترامب في غزة تدخل منعطفاً خطيراً ومعركة الدبلوماسية تبدأ

تسارعت التحركات الدبلوماسية هذا الأسبوع في سباق مع الوقت لتثبيت وقف إطلاق النار الهش في غزة، وسط ترتيبات معقدة تتعلق بالمرحلة التالية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدارة القطاع، والتي تتألف من 20 بنداً تهدف لإعادة رسم المشهد الأمني والسياسي بالكامل.
وفد رفيع من حماس يقوده خليل الحية، رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، يجري مباحثات حاسمة في القاهرة منذ السبت، بينما يتحرك المبعوثان الأميركيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر بين تل أبيب وواشنطن، في وقت يزور فيه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إسرائيل لمتابعة تنفيذ الخطة على الأرض.
أما القاهرة والدوحة، فتلعبان دور الميزان الدقيق بين الأطراف، في محاولة لإنقاذ التفاهمات من الانهيار المبكر.
إنجازات محدودة وميدان لا يزال يغلي
المرحلة الأولى من خطة ترامب أوقفت القتال مؤقتاً وأطلقت مسار تبادل الأسرى والمساعدات، لكنها لم تُنهِ جذور الأزمة.
القوات الإسرائيلية انسحبت من أجزاء من القطاع، إلا أن نحو نصف غزة لا يزال تحت سيطرتها.
في المقابل، أفرجت حماس عن الرهائن الأحياء، وسلمت جثامين عدد من الإسرائيليين، بينما أفرجت إسرائيل عن قرابة ألفي أسير فلسطيني، من بينهم 250 محكوماً بالمؤبد، وأعادت 165 جثماناً.
ورغم تدفق المساعدات الإنسانية عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، ما زالت المنظمات الأممية تؤكد أن الكميات "أقل بكثير من حجم الكارثة الإنسانية"، فيما تتحدث التقارير عن نقص حاد في المياه والغذاء والدواء داخل القطاع المنكوب.
توتر جديد على الخط الأصفر ودماء لم تجف
في الوقت الذي تتحدث فيه واشنطن عن هدوء نسبي، تسود الميدان حالة من الغليان.
الجيش الإسرائيلي بدأ ترسيم ما يعرف بـ"الخط الأصفر" عبر كتل خرسانية ضخمة لتحديد مناطق انسحابه، محذراً الفلسطينيين من الاقتراب.
لكن غموض الحدود فجّر اشتباكات دامية، كان آخرها في رفح حيث قُتل جنديان إسرائيليان، وردت تل أبيب بسلسلة غارات أوقعت 28 قتيلاً فلسطينياً، قبل أن يُعاد التأكيد على التزام الطرفين بوقف النار.
في خلفية المشهد، لا يزال صوت الطائرات يحوم فوق غزة، وكأن الهدنة ليست سوى هدوء يسبق العاصفة.
مستقبل غامض وخطة أميركية تبحث عن شركاء
المرحلة الثانية من خطة ترامب تُعد الأخطر والأكثر غموضاً، إذ تنص على تشكيل قوة استقرار دولية بدعم أميركي لتأمين القطاع.
واشنطن عرضت إرسال 200 جندي دون دخولهم غزة، بينما تجري اتصالات مع مصر وقطر والإمارات وتركيا وإندونيسيا وأذربيجان لتشكيل القوة، لكن خلافات حول الصلاحيات والقيادة القانونية تعرقل انطلاقها.
وفي الجانب السياسي، تطرح الخطة إنشاء لجنة تكنوقراط فلسطينية انتقالية لإدارة غزة، تحت إشراف هيئة دولية جديدة تُعرف باسم "مجلس السلام"، برئاسة ترامب نفسه، وربما بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
حماس تبدي استعدادها للتعاون بشرط بقاء موظفيها الإداريين، فيما ترفض إسرائيل أي وجود للحركة في المشهد القادم.
بين وعد ترامب ورفض نتنياهو غزة تنتظر المصير
ما زالت البنود الجوهرية موضع خلاف، خصوصاً قضايا نزع سلاح الفصائل والانسحاب الإسرائيلي الكامل ودور السلطة الفلسطينية.
الخطة الأميركية تَعِد بمسار نحو "حق تقرير المصير للفلسطينيين"، لكن نتنياهو يرفض الاعتراف حتى الآن بإمكانية قيام دولة فلسطينية.
وفيما يروّج ترامب لخطته بوصفها "صفقة سلام القرن الجديد"، يرى مراقبون أن غزة باتت أمام مفترق نادر بين الحرب والسلام، حيث تُحسم المعركة الآن في غرف التفاوض لا في الميدان.
ويبقى السؤال: هل تُعيد خطة ترامب بناء غزة... أم تعيد إشعال فتيل الصراع من جديد؟