رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

جيل "تيك توك" بين الوعي والإغواء.. من يربّي أبناءنا؟

أرشيفية
أرشيفية

في زمن التحولات الرقمية المتسارعة، أصبح من المعتاد أن ترى طفلاً في العاشرة يتحدث بلغة "الترند"، ويردد مصطلحات لم يسمعها في مدرسته أو في بيته، بل استقاها من هاتفه المحمول نحن أمام مشهد تربوي معقّد، تقف فيه الأسرة حائرة، ويغيب فيه المسجد، أو يغيب عنه الجيل الجديد وهنا يُطرح السؤال الأكثر إلحاحًا: من يربّي أبناءنا اليوم؟ وهل تتحمل "المنصات" الرقمية وزر إغواء النشء؟ أم أن غياب التوجيه الديني والأسري هو الجاني الحقيقي؟

تيك توك.. المنصة الأخطر بين التسلية والتخدير

تطبيق "تيك توك" تجاوز حدود كونه وسيلة ترفيهية، أصبح أداة تشكيل للوعي والذوق والسلوك. بمحتواه القصير، السريع، والانفعالي، يجذب المراهقين والأطفال ويخلق لهم عالماً بديلاً قد يتناقض تماماً مع القيم الدينية والاجتماعية التي نشأوا عليها.

دراسات حديثة أشارت إلى أن "تيك توك" تعزز المحتوى الذي يثير الجدل، ويعتمد على الصدمة والإثارة، مما يعني أن الطفل الذي يدخل التطبيق بهدف التسلية قد يخرج منه حاملاً أفكارًا مغايرة تمامًا، أو متأثراً بنماذج منحرفة سلوكيًا وفكريًا.


المسؤولية التربوية.. أين الأُسَر ؟

الإسلام لم يترك التربية للصدفة، بل جعلها مسؤولية مشتركة تبدأ بالأسرة، وتُدعم بالمسجد، وتُراقب بالمجتمع قال النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". لكن الواقع يشير إلى غياب شبه تام للرقابة الأسرية، وانسحاب كثير من الآباء من مهمة التوجيه، وترك الأبناء في مواجهة مباشرة مع منصات لا تعرف سوى لغة الربح والانتشار.

الطفل اليوم يتلقى أولى دروسه الأخلاقية من مقاطع لا تتجاوز 15 ثانية، مليئة بالمصطلحات الغريبة والإيماءات المريبة، حيث تُصنع القدوة في قوالب خادعة، ويُعاد تشكيل الهوية بعيدًا عن الدين والثقافة  ومن هنا تأتي الخطورة الكبرى: من يصنع وعي أبنائنا؟

هل هو الداعية الهادئ؟ أم المؤثر الماجن؟ هل هي أم تحكي لابنها قصة الأنبياء؟ أم فتاة ترقص على مقطع "ساخن"؟ هذا ليس مجرد سؤال أخلاقي، بل أزمة تربوية.


محتوى تيك توك.. غياب القيم وتصدير الفوضى

تفحُّص عيّنة من مقاطع "الترند" المتداولة على تيك توك يكشف الآتي:

استخدام مفرط للألفاظ النابية بشكل ساخر.

تطبيع العلاقات المحرّمة بدعوى "الحرية".

تشويه صورة الرموز الدينية أو القيم الأسرية.

تقليد أعمى للمؤثرين الغربيين دون أي وعي بثقافتهم أو مرجعياتهم.


وهذا كله يتم على مرأى ومسمع من العالم، وسط غياب واضح لأي رقيب تربوي أو فلترة قيمية.

دور الدعاة والشباب.. الحاجة إلى خطاب بديل

إذا كانت المنصات الرقمية قدرًا لا مفر منه، فإن صناعة محتوى دعوي تفاعلي وجذّاب بات ضرورة  لا بد من نزول الدعاة الشباب إلى الساحات الرقمية بلغة هذا الجيل، لا بلغة المواعظ الجافة.
مبادرات ناجحة ظهرت بالفعل، مثل قنوات تقدم محتوى دينيًا بأسلوب "Vlog"، أو "Challenge" توعوي، أو حتى قصص رمضانية سريعة بصوت شبابي مؤثر.

ولكنها تظل مجهودات فردية ما لم تُصنع لها بيئة داعمة، ومؤسسات تحتضن هذا الخطاب الجديد الذي يجمع بين الأصالة وروح العصر.

الحلول المقترحة: التربية التفاعلية لا التحذير فقط

1. مرافقة الأبناء داخل المنصات لا منعهم عنها تمامًا.


2. فلترة المحتوى باستخدام أدوات الرقابة الأبوية الذكية.


3. تحفيز الأبناء لصناعة محتوى نافع بأنفسهم.


4. إشراك المساجد والمدارس في برامج توعوية إلكترونية.


5. تدريب الدعاة على التفاعل الرقمي والظهور الجذّاب.


المعركة اليوم ليست ضد "تيك توك" وحده، بل ضد الفراغ التربوي والديني الذي نتركه في حياة أبنائنا فالجيل الذي لم يجلس في حلقة علم، أو لم يُسأل عن صلاته، لن يتردد في تقليد من يملأ له هذا الفراغ عبر الهاتف.
ولعل أعظم خسارة لا تكون في فقد المال أو الصحة، بل في ضياع الأبناء فهل ننتبه قبل فوات الأوان؟

 

تم نسخ الرابط