التوسع للهروب.. هل تُغطي بلتون خسائرها بإنشاء شركات جديدة؟

في الوقت الذي تُعلن فيه شركة بلتون القابضة عن توسعات متسارعة واستثمارات جديدة في شركات ناشئة وصناديق مالية، تُظهر نتائجها المالية جانبًا آخر من الصورة يبدو أكثر قتامة، خاصة على مستوى الأداء المالي المستقل.
فهل تمثل تلك التحركات نقلة استراتيجية نحو المستقبل؟ أم أنها مجرد محاولات للهروب إلى الأمام وتجميل صورة مالية تعاني من نزيف أرباح حقيقي؟
أرباح ظاهرية وأداء مستقل يتآكل
في ظاهر الأمر، تحقق بلتون أرقامًا لافتة؛ حيث أعلنت عن أرباح مجمعة تجاوزت 747 مليون جنيه خلال الربع الأول من عام 2025، بزيادة عن العام السابق. كما ارتفعت الإيرادات لأكثر من 3 مليارات جنيه.
لكن خلف هذه الأرقام تكمن حقائق مقلقة، فالأرباح المستقلة – التي تعكس أداء الشركة الأساسي دون نتائج الشركات التابعة – تراجعت إلى 22.8 مليون جنيه فقط، مقابل 263.89 مليون جنيه في نفس الفترة من 2024، بانخفاض حاد يثير علامات استفهام.
وتُظهر نتائج العام المالي 2024 كذلك تراجعًا في أرباح الأعمال المستقلة من 1.65 مليار جنيه في 2023 إلى 1.33 مليار جنيه، ما يعكس خللًا واضحًا في قدرة الشركة الأم على توليد الربحية من عملياتها الأساسية.
شركات تحت الطلب.. روبن نموذجًا
في خضم هذا التراجع، أعلنت بلتون القابضة عن إطلاق شركة جديدة بالكامل تحت اسم "روبن لحلول البيانات والذكاء الاصطناعي".
وتروّج الشركة لمشروع "روبن" على أنه بوابة للمستقبل، يهدف إلى تمكين المؤسسات عبر حلول الذكاء الاصطناعي، في وقت يُثار فيه تساؤل منطقي: هل التوقيت يعكس رؤية استراتيجية، أم محاولة لصرف الانتباه عن أداء الشركة الأم؟
وتساءل العديد من الاقتصاديين: كيف يمكن لشركة تُعاني من تراجع أرباحها الحقيقية أن تموّل هذا الكم من الشركات التابعة والمشروعات التكنولوجية؟ وهل تصب هذه المشروعات في مصلحة المساهمين أم أنها مجرد أدوات للتهدئة المؤقتة؟
صناديق استثمار.. نفوذ يتضخم وأرباح غائبة
أحد أبرز مسارات التوسع لدى بلتون يكمن في إنشاء صناديق رأس مال مخاطر، إذ أعلنت عن نيتها إطلاق صندوق جديد بقيمة 10 ملايين دولار لتمويل الشركات الناشئة، إلى جانب صندوق آخر بالتعاون مع منصة "ثاندر" بقيمة تصل إلى 250 مليون جنيه.
لكن هذا التوسع السريع يثير الريبة، خاصة في ظل استثمار 65% من أموال صندوق سابق بقيمة 30 مليون دولار أُطلق العام الماضي، فهل تحقق هذه الاستثمارات عوائد فعلية؟ أم أن بلتون تسعى فقط إلى تسجيل نشاط ظاهر بغض النظر عن النتائج الفعلية؟
الأخطر أن هذه الصناديق تُستخدم حاليًا لشراء حصص أو إقراض شركات غير مدرجة، ما يصعّب التحقق من الشفافية والعائد الحقيقي من تلك الاستثمارات.
استحواذات غامضة.. وغياب للشفافية
في سياق موازٍ، أعلنت بلتون القابضة أن إحدى شركاتها التابعة في نشاط التأجير التمويلي قدمت عرضًا غير ملزم للاستحواذ على شركة تعمل في الخدمات المالية غير المصرفية، دون الإفصاح عن اسم الشركة المستهدفة أو أي تفاصيل دقيقة.
بلتون أكدت أن إجراءات الفحص النافي للجهالة لم تبدأ بعد، وأن العرض مرهون بالموافقات الرقابية، لكن غياب التفاصيل يثير علامات استفهام حول جدوى هذه الصفقات، وما إذا كانت تحمل قيمة مضافة فعلية أم مجرد واجهة لتحريك السوق وخلق زخم إعلامي.
التوسع في إفريقيا.. مغامرة محفوفة بالمخاطر
ضمن استراتيجية التوسع الخارجي، تستهدف بلتون دخول أسواق شمال وغرب إفريقيا، وتفاوضت بالفعل مع مؤسسات دولية لاقتراض 60 مليون دولار.
كما استثمرت في شركة مغربية للنظارات (LNKO) تعمل عبر الإنترنت، وتروج بلتون لهذه الخطوة باعتبارها نقلة نوعية.
لكن المتابعين للقطاع المالي يحذرون من أن الدخول في أسواق ناشئة دون بنية مالية قوية قد يزيد من المخاطر، خصوصًا أن الشركة لم تبرر بعد تراجع أرباحها المستقلة.
هل فقدت بلتون بوصلتها؟
منذ عام 2023، أنشأت بلتون عبر ذراعها لرأس المال المخاطر عدة شراكات في مجالات متنوعة، تراوحت بين التجارة الإلكترونية وخدمات النقل والتعليم والصحة والنظارات؛ هذا التنوع الكبير، ورغم أنه يوحي بالنشاط، إلا أنه يفتقر إلى التركيز الاستراتيجي، ما يعكس صورة لشركة تبحث عن طوق نجاة في كل اتجاه دون استراتيجية واضحة.
زخم إعلامي لا يعكس واقعًا ماليًا مطمئنًا
ما بين إعلان تلو الآخر، وشراكة بعد شراكة، تُحاول بلتون القابضة إظهار نفسها ككيان ديناميكي ومتجدد.
لكن الأرقام لا تكذب، وما تكشفه نتائج الأعمال المستقلة يطرح شكوكًا حقيقية حول صحة هذا المسار.
فهل ما تفعله بلتون هو استثمار ذكي للمستقبل، أم محاولة لتغطية النزيف من خلال شركات جديدة تُضيف زخمًا إعلاميًا دون مردود حقيقي؟
الإجابة ستُحددها نتائج الأرباع القادمة، ومدى قدرة الشركة على إعادة بناء أرباح حقيقية من أعمالها الأساسية وليس من شركات تم إنشاؤها تحت ضغط الموقف المالي.