"مطرقة منتصف الليل".. كواليس قرار ترامب لضرب المنشآت الإيرانية النووية

في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتنقل بهدوء بين ضيوفه في نادي الجولف الخاص به بولاية نيوجيرسي، لم يدرك الحاضرون أن قرارات مصيرية كانت قد بدأت تُنفذ في السماء.
فبينما كان يتبادل الأحاديث مع الحاضرين، كانت الاستعدادات العسكرية الأمريكية في مراحلها الأخيرة لتنفيذ واحدة من أكبر العمليات الجوية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
قاذفات B-2 تنطلق من ميسوري
أقلعت قاذفات الشبح الأمريكية من طراز B-2 من قاعدة وايت مان بولاية ميسوري منتصف ليل الجمعة، وهي مزودة بقنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل، ضمن خطة تمويه دقيقة أصرّ عليها ترامب شخصيًا، تضمنت تحركات جوية غربًا لتشتيت الرادارات.
وفيما كانت الطائرات في طريقها نحو أهدافها في إيران، كان ترامب يشارك في فعالية خاصة مع الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان، وأطلق دعابة قائلاً: آمل أن يكون محقًا بشأن الذكاء الاصطناعي، في إشارة إلى ضيفه.
مطرقة منتصف الليل
بعد أقل من 24 ساعة، انتقل ترامب إلى غرفة العمليات في قبو البيت الأبيض، مرتديًا قبعة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، ليُشرف مباشرة على تنفيذ العملية التي حملت الاسم الكودي "مطرقة منتصف الليل".
وخرج لاحقًا بتصريح مقتضب من قاعة كروس، قائلاً: "الليلة، أبلغ العالم بأن الضربات كانت نجاحًا عسكريًا باهرًا، على إيران أن تختار السلام الآن، وإلا فإن الهجمات المقبلة ستكون أشد وأسهل بكثير".
قرار محفوف بالمخاطر
القرار الأمريكي لم يأتِ مفاجئًا، فقد سبقه نقاش مكثف داخل الإدارة الأمريكية، ورغم تهديدات ترامب العلنية، إلا أنه أبدى ترددًا خلف الكواليس، مدفوعًا برغبة في تجنب الانجرار إلى حرب مفتوحة طويلة الأمد.
وبحسب مصادر "سي إن إن"، فإن البيت الأبيض فرض تكتمًا بالغًا على العملية، مع تأجيل متعمد لاتخاذ القرار النهائي، رغم أن الإعدادات اللوجستية كانت مكتملة.
بدأ القرار يتبلور خلال اجتماع أمني في منتجع كامب ديفيد، حيث عرض مدير وكالة الاستخبارات المركزية تقييمًا استخباراتيًا يُظهر استعداد إسرائيل لشن ضربات منفردة ضد إيران.
ومن هناك، تتابعت جلسات غرفة العمليات في الطابق السفلي للبيت الأبيض، بقيادة فريق الأمن القومي، لبحث سيناريوهات الضربة وتداعياتها.
أطول مهمة جوية منذ أكثر من 20 عامًا
في مؤتمر صحفي عقده وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، إلى جانب رئيس هيئة الأركان الجنرال دان كين، تم الكشف عن أن العملية انطلقت من ميسوري واستغرقت 18 ساعة كاملة، وهي الأطول من نوعها منذ أكثر من عقدين.
وأكد هيجسيث أن العملية تطلبت "أعلى درجات التخفي، والتنسيق الاستخباراتي، والتضليل"، فيما أشار الجنرال كين إلى أن "الضربات أسفرت عن أضرار كبيرة في المواقع الثلاثة"، دون الكشف عن التفاصيل الدقيقة.
رسائل متضاربة
رغم محاولة واشنطن إيصال رسالة لطهران، عبر قنوات غير رسمية، مفادها أن "الضربات محدودة ولا نية للتصعيد"، فإن تصريحات ترامب العلنية حملت لهجة تصعيدية: "إذا ردت إيران، فإن الرد الأميركي المقبل سيكون أقسى وأكثر حسمًا".
التحرك العسكري جاء بعد مهلة مدتها 60 يومًا كانت قد مُنحت لطهران للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية، دون نتائج ملموسة.
وخلال تلك الفترة، جرت مفاوضات غير مباشرة بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في سلطنة عمان، لكنها لم تُسفر عن تقدم.
وعقب اجتماع جمع وزير الخارجية الإيراني بالقادة الأوروبيين في جنيف، أيقن البيت الأبيض أن إيران لن تتراجع إلا بتوقف الضربات الإسرائيلية، وهو ما رفضه ترامب.
وترى "سي إن إن" أن قرار ترامب بالمضي قدمًا في الضربة، رغم المخاطر المحتملة، كان مدفوعًا برغبة في رسم إرث سياسي قائم على "الحسم والقوة"، إلا أن القرار ذاته قد يُقحم الولايات المتحدة في صراع جديد، خاصة مع التهديدات الإيرانية بالانتقام.
ويُضيف محللو الشبكة أن ترامب سعى لتحقيق توازن دقيق بين "تدمير أهداف نووية محصنة" مثل فوردو ونطنز، و"تجنب المستنقع" في الشرق الأوسط، لكنه لم يحصل على ضمانات حقيقية بعدم التصعيد الإيراني.