من ترميم منتظر إلى شبهة تنقيب عن الآثار.. ما حكاية قصر ثقافة الأقصر؟

في قلب مدينة الأقصر، وعلى مقربة من آثار مصر الخالدة، تفجرت قضية جديدة هزّت الوسط الثقافي والإداري معًا، فلم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تتحول جولة تفقدية لوزير الثقافة إلى كشف لما يشتبه أنه تنقيب غير مشروع عن الآثار داخل منشأة يفترض أن تكون منارة للوعي والمعرفة، إنها قصة قصر ثقافة الأقصر، التي تحوّلت من مشروع ترميم إلى ملف تحقيق أمام النيابة العامة.
البداية.. الوزير يطرق باب الأزمة
في زيارة مفاجئة قام بها الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، إلى عدد من المنشآت الثقافية في جنوب الصعيد، وتحديدًا إلى قصر ثقافة الأقصر وقصر ثقافة الطفل، بدت علامات الدهشة والانزعاج واضحة على ملامحه، لم تكن المواقع على المستوى المتوقع، ولا أعمال الترميم تتوافق مع المواصفات التي خُطط لها ضمن خطة تطوير البنية التحتية الثقافية.
المفاجأة الأكبر كانت في قصر ثقافة الطفل، حيث لاحظ الوزير وجود حفر عميق داخل غرفة بإحدى الشقق التابعة للقصر، وأظهرت المعاينة أن الحفر تم "خلسة" لمسافة عدة أمتار، وسط غياب تام للرقابة والإشراف.
الإحالة إلى التحقيق
ردّ الوزير لم يتأخر، حيث أصدر قرارًا فوريًا بإحالة رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي السابق، والمدير العام الحالي للإقليم، ومدير فرع الأقصر، ومديري قصر ثقافة الأقصر وبيت ثقافة الطفل، ومسؤولين من الإدارة الهندسية والمكتب الفني والصيانة، بل ومسؤول الأمن بفرع الأقصر، إلى التحقيق العاجل.
وأكّدت الوزارة في بيانها أن "الأمر يخضع حاليًا لتحقيقات النيابة العامة"، وأن الوزارة لن تتهاون في مواجهة أي إهمال أو فساد، وأن حماية المال العام واستعادة هيبة المؤسسات الثقافية تأتي على رأس أولوياتها.
بين الشكوك والأسئلة
مع تصاعد الأحداث، بدأت الأسئلة تتردد في الشارع الثقافي وبين أبناء الأقصر، لماذا تم الحفر في موقع ثقافي وتحت ستار الترميم؟، وهل هناك فعلاً آثار مطمورة تحت أرض القصر؟، وأين كانت الرقابة؟ ولماذا غاب المشرفون عن الموقع، ورغم أن الوزير صرح أن التحقيقات جارية، إلا أن الشكوك تزايدت، خاصة أن الأقصر مدينة تعج بالكنوز الأثرية، وأن أي موقع فيها قد يكون ملهماً للمنقبين السريين.
لماذا لم يصدق الناس الوزير؟
رغم سرعة تحرك الوزير، إلا أن الشكوك لم تهدأ، البعض رأى أن ما جرى ليس سوى "قمة جبل الجليد"، وأن هناك فسادًا إداريًا ممتدًا داخل بعض أقاليم وزارة الثقافة، خصوصًا في الأقاليم النائية، حيث تقل الرقابة وتزيد الفوضى.
الناس لم تصدق الرواية الرسمية ببساطة، لأن الواقعة تكررت في أكثر من مكان، وأثيرت شبهات تنقيب في مواقع أخرى من قبل، دون محاسبة حقيقية، فضلا عن أن كثيرًا من قرارات الوزارة في الفترة الأخيرة، مثل إغلاق الشقق المستأجرة التي كانت تُستخدم كبيوت ثقافة، أثارت استياءً شعبيًا واتهامات بالتهميش والإقصاء الثقافي، وهو ما جعل قطاعًا من الناس يفقد الثقة في الرواية الرسمية.
هل هناك سر؟
الغموض ما زال يلف القضية، الرواية الرسمية تتحدث عن "اشتباه في التنقيب"، لكن لم يتم حتى الآن الإعلان عن تفاصيل الحفر، ولا نتائج التحقيقات الجنائية. هل وجدت الشركة آثارًا بالفعل؟ وهل كانت هناك نوايا مبيتة؟ ولماذا لم تُبلغ الشرطة بمجرد اكتشاف الحفر؟ أم أن هناك من كان يتستر على ما يجري؟
مصدر ثقافي تحدث لـ«موقع تفصيلة» – طالبًا عدم الكشف عن اسمه – قال إن "هناك حديثًا يتردد منذ سنوات عن وجود كنز أثري مدفون تحت قصر ثقافة الطفل، وربما هذا ما أغرى البعض للمغامرة، كما أن الموقع فعلاً حساس، وإذا ثبتت نية التنقيب، فهذه جريمة مكتملة الأركان".
البرلمان يدخل على الخط
دخل مجلسي النواب والشيوخ على خط الأزمة، حيث شهدت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشيوخ اجتماعًا صاخبًا حضره الوزير نفسه، ونفى خلاله إغلاق قصور الثقافة، مؤكدًا أن ما جرى هو إنهاء استئجار شقق لا تقدّم خدمات حقيقية.
وكشف عن أرقام صادمة: 120 شقة على مستوى الجمهورية يعمل بها 1200 موظف، يتقاضون أكثر من 120 مليون جنيه سنويًا، وبعضهم لا يذهبون للعمل منذ سنوات.
لكن رئيس اللجنة، الدكتور محمود مسلم، رد عليه قائلاً: "هذا الأمر تتحمله الحكومات المتعاقبة، وليس الموظفون فقط"، مشيرًا إلى أن قصور الثقافة تمثل العمق الثقافي للدولة، ولا يجب العبث بها.