هل تجوز التهنئة؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتهنئة المسيحيين برأس السنة
في ظل الجدل الذي يتجدد مع اقتراب نهاية كل عام ميلادي حول حكم تهنئة الإخوة المسيحيين برأس السنة، خرجت دار الإفتاء المصرية ببيان فقهي حاسم، لتضع حدًا لحالة اللغط والخلط التي يثيرها بعض المتشددين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن تهنئة المسيحيين بهذه المناسبة جائزة شرعًا ولا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولا تمثل بأي حال من الأحوال مشاركة في طقوس دينية أو إخلالًا بثوابت العقيدة.
البيان جاء واضحًا وصريحًا، نافيًا بشكل قاطع الادعاءات التي تذهب إلى اعتبار التهنئة نوعًا من الموالاة المحرّمة أو التشبه الديني، ومؤكدًا أن هذه الآراء تفتقر إلى الفهم الدقيق للفقه الإسلامي ومقاصده الكبرى.
رأس السنة الميلادية… مناسبة اجتماعية لا طقسًا دينيًا
وأوضحت دار الإفتاء أن الاحتفال ببداية العام الميلادي لا يُعد شعيرة دينية، وإنما يُصنَّف باعتباره مناسبة ذات طابع اجتماعي وإنساني عام، يشترك فيها الناس على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم، حيث يعبر الجميع عن انتهاء عام مضى بما حمله من أحداث وتجارب، واستقبال عام جديد بالأمل والطموح.
وأكدت الدار أن هذا المعنى الإنساني المشترك لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل ينسجم مع مقاصدها التي تقوم على تحقيق المصالح، وتعزيز السلم الاجتماعي، وترسيخ قيم التعايش وحسن المعاملة بين أبناء المجتمع الواحد، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية.
السيرة النبوية نموذج حي للتعايش الديني
وفي تأصيلها الشرعي، استندت دار الإفتاء إلى السيرة النبوية الشريفة، باعتبارها المرجعية العملية الأولى لفهم مقاصد الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، حيث عاش النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع متعدد الديانات، ضم مسلمين ويهودًا ومشركين، وأقرّ كل فئة على معتقداتها وأعيادها، وتعامل معهم بالعدل والإحسان وحسن الجوار.
وأكد البيان أن هذا الإقرار النبوي لا يُعد تنازلًا عن العقيدة، بل تجسيدًا لمفهوم المشترك الإنساني الذي أقره الإسلام، والذي يقوم على احترام الآخر والتعايش السلمي دون ذوبان أو تناقض عقدي.
آراء فقهية معتبرة: التهنئة ليست بدعة ولا محرّمة
وفي إطار دعم الرأي الشرعي، أشارت دار الإفتاء إلى ما قرره عدد من كبار فقهاء المذهب الشافعي وغيرهم من أهل العلم، الذين أجازوا التهنئة بالأعياد وبدايات الأعوام والشهور، سواء كان المُهنَّأ مسلمًا أو غير مسلم، مؤكدين أن التهنئة في ذاتها ليست عبادة ولا شعيرة دينية، وإنما من قبيل العادات والمعاملات التي يُبنى حكمها على المقاصد والنيات.
وشددت الدار على أن هذه التهنئة لا تُعد بدعة، ولا تدخل في دائرة المحرمات، ما دامت خالية من أي مضمون عقدي مخالف للإسلام، أو تعظيم لشعائر دينية لا يقرها المسلم.
ضوابط شرعية واضحة للمشاركة المجتمعية
وبيّنت دار الإفتاء أن مشاركة المسلمين لغيرهم في مثل هذه المناسبات تكون جائزة شرعًا متى غلب عليها الطابع الاجتماعي والإنساني، وانتفى عنها قصد التشبه في العقائد أو ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بغير المسلمين.
وأكدت أن الإسلام يفرق بوضوح بين البر والإحسان والمعاملة الحسنة من جهة، وبين المشاركة في العقائد أو الشعائر من جهة أخرى، وهو تفريق غفل عنه كثير من أصحاب الخطاب المتشدد.