مدبولي: صندوق النقد دائما ما ينظر إلى استقرار الدولة وكلما شعر بذلك أبدى مرونة أكبر
أجاب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عما تم طرحه من أسئلة ومداخلات خلال حضوره لقاء العمل الاقتصادي الذي عقد تحت عنوان "حول آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر ولبنان"، بالعاصمة اللبنانية بيروت بمشاركة مسئولي الهيئات الاقتصادية وغرفة التجارة والصناعة بلبنان.
وأضاف رئيس الوزراء أنه بالتركيز على مشروع العاصمة الجديدة، فيجب الإشارة إلى أن عدد سكان القاهرة الكبرى اليوم يبلغ نحو 23 مليون نسمة، وكان لا بد من نمو العاصمة خارج المنطقة القديمة، لافتاً إلى أن تجربة إنشاء القاهرة ذاتها بدأت بالقاهرة الإسلامية ثم قيام الخديوي إسماعيل في القرن الـ 19 بإنشاء القاهرة الخديوية، والتي كانت تمثل عاصمة جديدة في هذا الوقت، مستطرداً أنه بعد ذلك بدأ نمو المدن الجديدة مثل السادس من أكتوبر والشيخ زايد والشروق، ولكن كانت القاهرة في حاجة إلى عاصمة جديدة للخروج بالحكومة ومنشآتها من قلب القاهرة إلى منطقة أكثر حداثة، وقد تبنى الرئيس هذه الفكرة؛ وبالتالي كان التوجه لإنشاء هذه العاصمة كامتداد للقاهرة الكبرى، ونجحنا في ذلك وهذه المنطقة خلال السنوات الخمس القادمة ستكون أكثر المناطق حيوية في مصر، واستكمالا لنجاحات تنمية العاصمة على مدار العصور.
وفي معرض إجابته حول تساؤل بشأن تعاون مصر مع صندوق النقد الدوليّ في برنامجها الاقتصادي، وموقفها التفاوضي القوي، من خلال قيادة محنكة وإرادة قوية، وكيفية استفادة الجانب اللبناني من هذه التجربة، استهل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إجابته بالإشارة إلى أن هناك انطباعا مستمرا يؤخذ عن صندوق النقد الدوليّ أنه يفرض شروطا معينة على أي دولة يتعامل مع برنامجها، إلا أن لدينا تجربة خاصة في مصر، تتمثل في أن البرنامج مع الصندوق هو برنامج وطني خالص وضعته الدولة المصرية، ثم بدأنا التفاوض مع الصندوق حول بنوده.
وأوضح مدبولي، أن مصر وضعت منذ البداية ثوابت للبرنامج الاقتصادي المصري، مثل الإصلاحات في قطاع الطاقة على سبيل المثال، أو منظومة الدعم، والموازنة، والسياسة النقدية والمالية، فنحن من وضعنا البرنامج وبدأنا التفاوض مع الصندوق، لكن كان الاختلاف على آليات التنفيذ والتوقيتات وبعض الأرقام التي طالب الصندوق بتنفيذها بوتيرة أسرع، أو عن طريق طرح أرقام أكبر، لكن عليك أن يكون لديك ـ في الأساس ـ برنامجك الوطني، وهذا دور المؤسسات الوطنية اللبنانية في أن تضع البرنامج الذي تراه لإصلاح الاقتصاد اللبناني وبعد ذلك تذهب للتفاوض مع الصندوق.
وأضاف رئيس مجلس الوزراء، أن صندوق النقد هو مؤسسة نقدية ومالية، وكانت هناك اتهامات توجه إليه بأنه لا يراعي الجانب الاجتماعي، حتى أن مكون الحماية الاجتماعية وضعته الحكومة المصرية في برنامجها الاقتصادي مع الصندوق، لأنه كان لدينا رؤية مسبقة في أن الإصلاحات الاقتصادية التي سنقوم بتنفيذها سيكون لديها ثمن وأعباء من الناحية الاجتماعية، ولذا فقد وضعنا برنامجا موازيا للحماية الاجتماعية، ودعم المواطنين الأكثر احتياجا للدعم والفئات التي يمكن أن تتضرر من تلك الإصلاحات الاقتصادية.
ولفت رئيس الوزراء ـ خلال حديثه ـ إلى أن صندوق النقد دائما ما ينظر إلى استقرار الدولة، وكلما شعر بذلك أبدى مرونة أكبر، حيث إنه مع مرور الوقت في تنفيذ البرنامج، يشعر الصندوق بقدرة الدولة والحكومة على تنفيذ برنامجها ويبدأ في مناقشة المستهدفات، ومن الوارد ونحن نسير على طريق تنفيذ البرنامج أن تطرأ أحداث جديدة مثل الحرب في غزة، والتي ألقت بتداعياتها على المنطقة، كما أن هناك حدثا آخر يتمثل في تراجع إيرادات قناة السويس، وهو ما يفرض عودة التفاوض مع صندوق النقد ويكون هناك إصرار على موقفنا وتقديم وجهة نظرنا بوضوح لكي نستطيع تعديل البرنامج، بحيث لا يكون برنامجا جامدا ثابتا بل ديناميكا قادرا على أن يتواكب مع المستجدات التي تطرأ.

وشدد مدبولي، مرة أخرى على ضرورة أن يكون هناك برنامج وطني، ويكون لديك الإصرار على التفاوض، لافتا إلى نقطة أخرى تتعلق بأن الإصلاحات الاقتصادية هي عملية "غير شعبوية"؛ فهناك قرارات سيتم اتخاذها لن ترضي الشارع في بعض الأحيان، ولا بد من التدخل على مدار فترة تنفيذ البرنامج لتعديل أي بند قد يتسبب في أي وضع يضر مستهدفاتك، كما أنه لا بد أن يكون المسئولون عن تنفيذ البرنامج الاقتصادي مع صندوق النقد على دراية بأنه من الممكن أن ينال هذا البرنامج من شعبيتهم، إلا أنه من الضروري تغليب المصلحة العامة للدولة وهو الأمر الأهم في هذا الشأن، وأن نكون مؤمنين ببرنامجنا الذي وضعناه، والذي نعي جيدا أنه يأتي لصالح بلدنا، وأن ننفذه مهما كانت التبعات و"الثمن السياسي"، ففي نهاية الأمر المواطن هو المستفيد، فقد لا يعي المواطن البسيط أنه مع هذه الإصلاحات المؤلمة التي قد تستغرق عامين أو ثلاثة أعوام سيكون وضع الدولة أفضل بكثير.


