كيف يتحول زيت الطهي المُعاد استخدامه إلى مصدر للسموم؟
رغم أن إعادة استخدام زيت الطهي تبدو عادة منزلية شائعة ووسيلة لتقليل الهدر في أكشاك الطعام والمطابخ المنزلية، فإن الكثيرين يفترضون خطأً أن الزيت يظل صالحًا للاستخدام ما دام صافياً ورائحته طبيعية.
غير أن الحقيقة العلمية تظهر أن التسخين المتكرر يحدث تغيرات كيميائية عميقة تُفقد الزيت قيمته الغذائية وتحوّله تدريجيًا إلى مادة قد تُهدّد الصحة.
ومعتمدًا على فكرة أن “الوعاء الواحد يكفي لعدة وجبات”، قد لا يدرك البعض أن كل إعادة تسخين تتسبب في إنتاج مركبات تفاعلية ضارة تتراكم مع الوقت، خصوصًا مع استمرار الاعتماد عالميًا على الأطعمة المقلية ضمن النظام الغذائي.
ولذلك، فإن فهم آثار إعادة تسخين الزيت وطرق الحد من مخاطره أصبح ضرورة للحفاظ على جودة الطعام وسلامته.
ماذا يحدث عند تسخين زيت الطهي مرارًا؟
يُعرّض التسخين المتكرر الزيت لحرارة عالية ورطوبة وبقايا الطعام والأكسجين، ما يسرّع سلسلة من التفاعلات الكيميائية تتدهور معها خصائص الزيت الغذائية والحرارية.
ومع كل دورة تسخين جديدة، يفقد الزيت جزءًا من مكوناته الأساسية، ويتحول تدريجيًا إلى وسيط طهي غير آمن.
ومن أبرز التغيرات التي يشهدها الزيت المُعاد تسخينه:
تحلل الدهون الثلاثية إلى أحماض دهنية حرة، ما يخفض جودة الزيت ويُقلل قيمته الغذائية.
تدهور مضادات الأكسدة الطبيعية، ما يزيد من قابلية الزيت للأكسدة وتكوين مركبات ثانوية ضارة.
انخفاض نقطة الدخان، فيصبح الزيت أسرع احتراقًا ويُطلق ألدهيدات تفاعلية في الهواء.
تكوّن مركبات بوليمرية لزجة تزيد سمك الزيت وتغيّر نكهة وقوام الطعام.
تغيّر اللون والرائحة إلى درجات داكنة وروائح نفاذة تشير إلى استمرار التحلل.
فقدان الأحماض الدهنية غير المشبعة الصحية وتحوّل بعضها إلى دهون متحولة.
تسريع التدهور بفعل الرطوبة وجزيئات الطعام المتبقية في المقلاة.
هذه التغيرات تحول الزيت تدريجيًا من مادة صالحة للطهي إلى وسط مليء بالنواتج التفاعلية التي قد تؤثر على الجسم عند الاستهلاك أو حتى عند استنشاق أبخرتها.
هل يزيد الزيت المُعاد استخدامه خطر الإصابة بالسرطان؟
تكشف دراسة منشورة في مجلة «المراجعات النقدية في علوم الأغذية والتغذية» عن وجود تأثيرات مسرطِنة محتملة للزيوت التي تخضع للتسخين المتكرر، فمع كل دورة تسخين، تتولد مركبات خطرة مثل:
الألدهيدات التفاعلية
المركبات البوليمرية
الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات
وتستطيع هذه المركبات التفاعل مع الحمض النووي والخلايا، ما يؤدي إلى زيادة الإجهاد التأكسدي وتطبيق تأثيرات سامة للجينات وتحفيز الطفرات الجينية، الأمر الذي يرفع احتمالية الإصابة بالسرطان مع الاستخدام طويل الأمد.
وتشير الأدلة العلمية إلى أن التعرض المستمر لتلك المركبات سواء من خلال تناول الأطعمة المقلية بزيت متحلّل أو استنشاق الأبخرة أثناء الطهي يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بعدة أنواع من السرطان، أبرزها:
سرطان القولون
سرطان الثدي
سرطان الرئة
سرطان البروستاتا
وتعد خطورة هذه المركبات تراكمية، أي أن الاستهلاك المتكرر أخطر بكثير من الاستخدام العرضي.
كيف يؤثر الزيت المُعاد استخدامه على الجسم؟
الاستهلاك المستمر للزيوت المتحللة يُمكن أن ينعكس على الجسم بعدة طرق:
زيادة الالتهابات الداخلية نتيجة الإجهاد التأكسدي.
تراكم مركبات سامة قد تضعف المناعة.
ارتفاع مستويات الدهون المتحولة وتأثيراتها السلبية على القلب.
إضعاف صحة الكبد المسؤولة عن تصفية السموم.
تأثيرات محتملة على صحة الجهاز التنفسي بسبب استنشاق الأبخرة التفاعلية.
كيفية القلي بأمان دون إعادة استخدام الزيت
يساعد اتباع ممارسات طهي مدروسة على الحد من مخاطر التدهور الكيميائي للزيت والحفاظ على جودة الطعام:
مراقبة علامات فساد الزيت: تغيّر اللون، ظهور رائحة احتراق، أو دخان متصاعد بسرعة.
اختيار زيوت ذات ثبات حراري أعلى، مثل:
زيت دوار الشمس المكرر، زيت نخالة الأرز، الزيت النباتي الخفيف.
ضبط حرارة القلي بحيث تكون معتدلة وتجنب التسخين المتواصل لفترات طويلة.
استخدام الزيت مرة واحدة للقلي العميق، ويمكن إعادة استخدامه باعتدال للطهي الخفيف فقط.
تصفية بقايا الطعام والفتات لإبطاء عملية التحلل.
ضمان التهوية الجيدة للمطبخ لتقليل استنشاق الأبخرة الضارة.
تجنب تمامًا خلط الزيت القديم بالجديد، لأن الزيت الجديد لا يُقلّل من التغيرات الكيميائية الموجودة.
إعادة استخدام الزيت قد تبدو خطوة اقتصادية في ظاهرها، لكنها تحمل أبعادًا صحية لا ينبغي تجاهلها.
ومع أن الاستغناء الكامل عن الأطعمة المقلية ليس واقعيًا عند الكثيرين، فإن اعتماد ممارسات طهي أكثر وعيًا يضمن طعامًا أكثر أمانًا، ويُخفف من التعرض للمركبات الضارة التي تتراكم مع التسخين المتكرر.



