على جمعة: الذكر أول خطوة نحو الله وعماد القلب وروح العبادة
في سلسلة من التوجيهات الروحية التي تسعى إلى تقوية العلاقة بين العبد وخالقه، كشف الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن «أول خطوة في الطريق إلى الله» عبر منشور له على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك. واعتبر جمعة أن هذه الخطوة ليست مجرد عبادة شكلية، بل أساسٌ روحي متين يُمهّد لكل السلوكيات الصالحة ويصل بالقلب إلى حالة من الصفاء والطمأنينة، منبّهًا إلى أن الالتفات والانشغال بالمبهرات الدنيوية يعرقل الوصول إلى الهدف الإلهي.
«ملتفت لا يصل».. قاعدة أدبية وروحية
شرح جمعة قاعدة تربوية روحية قال فيها: «مُلتفٌ لا يَصِل»، مشيرًا إلى أن أي سعي إلى الله يتطلب ترك الانشغالات والمُلهيات التي قد تصرف الإنسان عن الهدف الرئيسي.
وأضاف: إذا سلك العبد طريقًا مليئًا بالمبهرات، كالأضواء والمتاجر والفاترينات، وتوقف عند كل ما يفتن حواسه، فإن العمر يضيع، والزمن يمرّ دون أن يتحقق الهدف الروحي.
واستشهد بما قاله الإمام الشافعي: «سِرتُ مع الصوفية فاستفدتُ منهم أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».
وأشار جمعة إلى ضرورة أن يكون العمل خالصًا لله، دون الالتفات إلى الأنوار أو الأسرار أو الملكوت، موضحًا أن الهدف الوحيد هو الله تعالى، وأن أي انحراف عن هذا الهدف يمثل بداية الابتعاد عن الطريق المستقيم.
الذكر.. أول خطوة على الطريق إلى الله
أكد جمعة أن الذكر هو البداية الحقيقية للطريق إلى الله، فهو الذي يجلّي القلب ويجعله كالمرآة الصافية، حيث تنعكس عليه أنوار الربوبية، وتنتج لذة روحية لا يمكن وصفها أو نقلها إلا بالتجربة العملية والترويض النفسي.
وأوضح أن الالتفات إلى المبهرات أثناء الذكر يؤدي إلى الانحراف عن الهدف، لأن القلب ينشغل بالمظاهر، فتضعف الخلوص لله، وهو ما حذر منه في إطار قاعدة «ملتفت لا يصل».
الذكر عماد القلب والجسد
بيّن جمعة أن الذكر هو عبادة القلب، التي تصلحه وتطمئنه، مستشهدًا بالآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
كما أشار إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ»، مؤكّدًا أن صلاح القلب ينتج عنه صلاح الجسد كله، وأن الذكر هو عماد القلب، والقلب عماد الجسد.
واستشهد بحديث آخر: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»، موضحًا أن حياة القلب بذكر الله تمنح الجسد حياةً روحية ومعنوية، وتجعل كل العبادات تنمو في بيئة صالحة.
الذكر محور كل العبادات
أوضح جمعة أن علاقة الذكر ببقية العبادات تشبه علاقة الشجرة بالأرض، فلا يمكن غرس شجرة دون أرض خصبة، مستشهدًا بالآية: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾. وأضاف أن الإحرام بالصلاة يبدأ بـ«التكبير»، وشرع المصلي في صلاته بـ«بسم الله الرحمن الرحيم»، بما يُظهر الذكر أمام الله والملائكة، ويجعل كل عبادته تنمو في رحاب الذكر.
وأشار إلى أن الذكر ليس مجرد طقس ديني، بل هو علامة على المحبة لله، فالذكر يعكس حب العبد لمولاه، ويُعد منشور الولاية، كما أكد العارف عبد الوهاب الشعراني بأن «الذكر مفتاح الغيب، وجاذب الخير، وأنيس المستوحش، ومنشور الولاية»، معتبراً أن الذكر يجمع شتات النفس ويملأ الروح بحب الله.

