رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

فتوى تشعل الساحة.. دار الإفتاء تحرّم مقاطعة الانتخابات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى شرعية حاسمة بشأن حكم الامتناع عن التصويت في الانتخابات، وذلك ردًا على تساؤلات متكررة من المواطنين حول مدى مشروعية العزوف عن المشاركة الانتخابية.

وأكدت الفتوى أن الامتناع عن الإدلاء بالصوت الانتخابي يُعد إثمًا شرعيًا لما فيه من تخلٍّ عن أداء الأمانة والشهادة التي أمر الله تعالى بها عباده، معتبرة أن المشاركة في الانتخابات ليست مجرد ممارسة سياسية، بل واجب ديني وأخلاقي يمثل جوهر الشورى الإسلامية.

وأوضحت الدار أن الإسلام حث في كل زمان ومكان على الصدق والأمانة ونبذ الكذب والخيانة، وأن الأمانة في الإسلام تشمل جميع مجالات الحياة، بما في ذلك مسؤولية المواطن تجاه وطنه ومجتمعه. واستشهدت بقول الله تعالى:

﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58].

وأكدت الفتوى أن الانتخابات تمثل صورة معاصرة من صور الشورى التي دعا إليها الإسلام، وهي وسيلة لاختيار من يتولى شؤون الأمة بعدل وأمانة ومن ثم، فإن المشاركة فيها واجب شرعي وليست أمرًا اختياريًا، لأن تركها يؤدي إلى غياب صوت الحق في اختيار الأصلح.

الشورى في الإسلام.. المشاركة السياسية فريضة ومسؤولية

بيّنت دار الإفتاء في فتواها أن مبدأ الشورى هو الأساس الذي يقوم عليه الحكم في الإسلام، وأن الديمقراطية الحديثة ما هي إلا امتداد عملي لهذا المبدأ الشرعي، القائم على المشاركة في اتخاذ القرار واختيار من يمثل الأمة.

وأضافت أن المشاركة الانتخابية واجب شرعي وجماعي يهدف إلى تحقيق العدالة والمصلحة العامة، وأن من تتوافر فيه الأهلية القانونية والعقلية يجب عليه أن يُدلي بصوته بصدق وأمانة، لأن ذلك يعكس وعيه بدوره في خدمة وطنه.

وحذّرت الفتوى من أن الامتناع عن التصويت خيانة للأمانة وتقصير في حق المجتمع، لأن الصوت الانتخابي في ميزان الشرع شهادة ومسؤولية، يجب أن تُؤدى بصدق وعدل.

الإفتاء: الامتناع عن التصويت جريمة سلبية تضر المجتمع

وصفت دار الإفتاء الامتناع عن التصويت بأنه جريمة سلبية في نظر الإسلام، إذ تؤدي نتائجها إلى فساد المجتمع وضياع الحقوق تمامًا كما تفعل شهادة الزور.

وقالت إن المسلم الذي يخشى الله لا يجوز له أن يقف موقف اللامبالاة، بل عليه أن يؤدي الأمانة التي كلفه الله بها، ويمنح صوته لمن يستحقه من المرشحين الأكفاء الذين تتوافر فيهم شروط الصلاح والخبرة والأمانة.

وأكدت الفتوى أن ترك الصوت الانتخابي دون استخدامه في موضعه الصحيح إخلال بالواجب الديني والوطني، وأن السلبية في مثل هذه القضايا العامة تفتح الباب أمام تولية غير الأكفاء، مما يؤدي إلى انتشار الظلم والفساد في مؤسسات الدولة.

القرآن والسنة يحذّران من السلبية والتقاعس عن أداء الواجب

استدلت دار الإفتاء بعدة نصوص شرعية تؤكد أن السلبية في المواقف العامة تُعد ظلمًا للنفس والمجتمع، مستشهدة بقول الله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: 97].


وأوضحت أن هذه الآية تُظهر خطورة التقاعس عن أداء الواجبات، وترك الساحة لغير المستحقين، لما يؤدي إليه من انتشار الظلم وضياع الحقوق.

كما استدلت بحديث النبي ﷺ:

إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ (رواه البخاري)،
لتؤكد أن ترك المشاركة في اختيار أهل الكفاءة من أسباب فساد الأمم وهلاكها، لأن غياب المشاركة الواعية يؤدي إلى تسلّط غير المؤهلين على مقدرات الشعوب.

التحذير من التزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية

تناولت الفتوى أيضًا الجرائم الانتخابية التي ترافق بعض الممارسات، محذّرة من التزوير والانتحال والتلاعب في عملية التصويت، مؤكدة أن هذه الأفعال محرمة شرعًا وتُعد من كبائر الذنوب.

وقالت إن من ينتحل اسمًا غير اسمه، أو يُصوّت نيابة عن غيره  حيًّا كان أو ميتًا أو غائبًا  يرتكب غشًّا وتزويرًا محرمًا شرعًا، لأنه يعبث بإرادة الناس ويزوّر شهادة الأمة.

وأضافت أن من يُغري الآخرين ماديًا أو معنويًا لتغيير أصواتهم أو مخالفـة ضمائرهم يشارك في الإثم، سواء كان مسؤولًا أو مواطنًا عاديًا، لأن المشاركة في الخيانة والتزوير جريمة أخلاقية ودينية تفسد المجتمع.

وأكدت الدار أن هذه الأفعال تؤدي إلى الإفساد في الأرض، لأنها تُضيع حقوق الناس وتُمكّن الفاسدين من مواقع القيادة، وهو ما حذر منه القرآن الكريم في أكثر من موضع.

المواطنة الصالحة بين التكليف الشرعي والواجب الوطني

أوضحت دار الإفتاء أن المشاركة في الانتخابات ليست مجرد حق سياسي بل واجب ديني، لأن الصوت الانتخابي شهادة على أمانة المرشح وصلاحه، وأن من يمتنع عن التصويت دون عذر شرعي معتبر آثم أمام الله، لأنه حرم مجتمعه من حقه في المشاركة في صنع القرار.

وأكدت أن الامتناع عن التصويت يُفقد الأمة فرصة اختيار الكفاءات، ويفتح المجال أمام أصحاب المصالح الضيقة للوصول إلى مواقع السلطة، مما يهدد استقرار المجتمع ويقوّض العدالة الاجتماعية.

تم نسخ الرابط