رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

رحيل ديك تشيني.. صقر الحروب الأميركية ومهندس الغزو الذي أشعل الشرق الأوسط بالنار والفوضى

وفاة ديك تشيني نائب
وفاة ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق

برحيل ديك تشيني، يودّع العالم واحداً من أكثر الوجوه قسوةً وتأثيراً في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، الرجل الذي صاغ عقيدة “القوة أولاً” وجعل من الحرب وسيلة للهيمنة لا للدفاع. 

لم يكن تشيني نائباً عادياً للرئيس جورج بوش الابن، بل كان الحاكم الفعلي من خلف الستار، والعقل الذي رسم معالم السياسة الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر، حين فُتح الباب أمام غزوٍ مزدوج لأفغانستان والعراق غيّر موازين الشرق الأوسط لعقود.

ديك تشيني من مقاعد الكونجرس إلى كواليس الحرب

تشيني بدأ مشواره بهدوء في أروقة واشنطن، لكنه صعد بخطوات واثقة نحو قمة السلطة.

خدم في إدارة الرئيس فورد، ثم أصبح وزيراً للدفاع في عهد جورج بوش الأب، حيث أشرف على حرب الخليج الأولى ضد العراق عام 1991، وأظهر ميلاً واضحاً لاستخدام القوة دون تردد.

ومع مطلع الألفية الجديدة، عاد إلى الواجهة كنائبٍ لبوش الابن، في لحظة مفصلية صنعت إرثه المثير للجدل.

مهندس الحرب على الإرهاب

بعد هجمات 11 سبتمبر، تحوّل تشيني إلى صقرٍ سياسي يقود الرد الأميركي بعقلية عسكرية بحتة. 

لم يكن يكتفي بالدفاع، بل كان يسعى لإعادة صياغة النظام الدولي بما يخدم الهيمنة الأميركية المطلقة. 

ومن مكتبه في البيت الأبيض خرجت أفكار الضربات الاستباقية والحرب الوقائية، التي أصبحت أساساً لغزو أفغانستان ثم العراق عام 2003. 

تلك الحروب التي زعزعت استقرار المنطقة وأطلقت شرارات العنف الطائفي والفوضى التي لا تزال آثارها تتردد حتى اليوم.

سياسي بوجه حربي

عرف عن ديك تشيني صلابته وبروده في مواجهة الأزمات، لكنه حمل دوماً رؤية أحادية ترى القوة وسيلة لتحقيق السلام. 

انتُقد بسبب دعمه لسياسات الاستجواب القاسي في السجون الأميركية السرية، واتهامه بإخفاء معلومات عن برامج التنصت والتجسس داخل الولايات المتحدة. 

ومع كل ذلك، ظلّ يدافع عن خياراته باعتبارها ضرورية لحماية الوطن، حتى مع تصاعد الأصوات التي اعتبرت سياساته بداية الانحدار الأخلاقي في واشنطن.

إرث النار والجدل

لم يكن رحيله حدثاً عادياً في التاريخ السياسي الأميركي، لأن أثره لا يزال قائماً في كل ملف من ملفات الشرق الأوسط، من بغداد إلى كابول. 

ترك وراءه تركة مثقلة بالدماء والقرارات التي غيّرت موازين العالم، وجعلت من الحرب على الإرهاب عنواناً لقرنٍ جديد من الصراعات المفتوحة.
ورغم أنه عاش آخر سنواته بعيداً عن الأضواء، ظلّ اسمه مرادفاً لفكرة “الحاكم الخفي” الذي يحرك الخيوط بصمت ويقرر مصير الأمم من وراء الستار.

نهاية الصقر

ديك تشيني، الذي قاوم أمراض القلب لأكثر من نصف قرن وخضع لزراعة قلب عام 2012، رحل أخيراً عن 84 عاماً، لكن صورته ستبقى محفورة في الذاكرة كرمزٍ لزمنٍ اختلط فيه الأمن بالخوف، والحرب بالسياسة، والهيمنة بالأوهام.

رحل الصقر، وبقيت الحروب التي أشعلها شاهداً على أن بعض الرجال لا يموتون تماماً، بل يتركون وراءهم ناراً تشتعل كلما ذُكر اسمهم.

تم نسخ الرابط