د. ياسمين عادل تكتب: دولة رجل نوبل للسلام .. الداخل والمحيط
حملت الأحداث المتعاقبة في أقليم تيجراي تصاعد حدة وتيرة العنف المتبادل بين الحكومة الفيدرالية برئاسة "رجل نوبل للسلام" آبي أحمد ومن الناحية الأخري المعارضة المتمثلة في جبهة تحرير تيجراي للصراع الداخلي في أثيوبيا صاحب التأثير العابر للحدود والذي يشكل تهديدا يؤثر علي الاستقرار الإقليمي للقارة وما ترتب علي ذلك من تداعيات مصاحبة علي المستوي الداخلي ليتجاوز الصراع حدود الأقاليم الداخلية وتنقل عدوي الأضطرابات من أقليم تيجراي إلي أقاليم متعددة وتنتشر في الداخل الأثيوبي.
وبشكل دقيق يمكن حصر أركان وركائز التي بني عليها وشكلت دوافع لوقوع الصراع في إقليم تيجراي .
ولعل أبرز تلك الدوافع والتي شكلت وقود وشرارة اندلاع الصراع هو قرار "آبي أحمد " بتهميش التيجراي داخل الجيش الأثيوبي وتجريدهم من الاحتفاظ بمنصب رئيس أركان المؤسسة العسكرية بعد أن تم اغتيال رئيس الأركان في ظروف غامضة علي يد أحد حراسة حيث أسند آبي أحمد رئاسة الأركان لجماعة " أمهرا" في الحادثة الأولي من نوعها منذ ١٩٩١ ومن بعده نقلت رئاسة الأركان إلي جماعة " أورومو " وفي ظل تلك الاجراءات لجأ آبي أحمد إلي اتباع سياسة القمع لكل العسكريين الذين ينتمون إلى جماعة تيجراي وتنفيذ عمليات قبض عشوائية لأعداد كبيرة من ضباط الجيش دون أسانيد قانونية أو ارتكاب جرم قد يستند عليه عمليات القبض الممنهجة سوى فقط السبب العنصري والمتمثل في انتمائهم " الأثني " لجماعة تيجراي مما أثار غضب ذويهم وشكلت دافع قوي إضافة إلى انتزاع حقهم التاريخي في شغل منصب رئيس الأركان وإسناده تباعا إلي جماعات " الأمهرة / الأورومو" .
وقد ازداد الاحتقان في صفوف المعارضة في إقليم تيجراي بصدور قرار آبي أحمد بتسليم مثلث " بادمي " المتنازع عليه والذي يقع داخل الأقليم إلي دولة " إريتريا" وذلك بعد مرور شهرين فقط من تولية سلطة رئاسة الوزراء الأثيوبي وقد تمكنت حكومة الأقليم بالتعاون مع القيادة العسكرية الشمالية أن تحول دون تنفيذ القرار وأن تضع آبي أحمد في حرج أمام حلفائه بالتزامن مع إعلان جبهة تحرير تيجراي عن قوتهم العسكرية من خلال إقامة عرض عسكري مسلح لقواتهم الخاصة والتي عكست قدرات عالية مما أدي إلي إتساع حجم الخلاف السياسي بين الحكومة الفيدرالية والحكومة المحلية للأقليم .
ومع تراكم الأسباب ذات الطابع العسكري ظهرت أسباب أخري ذات منحي سياسي علي السطح لعل رفض جبهة تحرير تيجراي الإنضمام إلي حزب الإزدهار والذي أعلن آبي أحمد عن تأسيسه كبديل عن حزب الجبهة الديمقراطية الثورية الحاكم منذ مطلع التسعينات مع الحرص على أن يكون الحزب مبني بتصميم موحد يمتلك أفرع متعددة في مختلف الأقاليم الأثيوبية فهو نموذج مغاير لحزب الجبهة الديمقراطية الثورية والذي أعتمد في تكوينه تصميم كائتلاف بين كيانات إقليمية تملك صلاحيات وتتمتع باستقلالية وهو إنعكاس لما جاء به الدستور الأثيوبي منذ إقراره في عام ١٩٩٤ والذي حرص علي وجود تقسيمات أثنية للأقاليم مصحوبة بمجموعة من الصلاحيات الواسعة منها تشكيل مؤسسات تشريعية وتنفيذية علي مستوي الأقليم وصولا إلى منحها الحق في طلب الاستقلال وفق إجراءات محددة وهو ما يسمي مبدأ " الفيدرالية الأثنية " وفي ظل تخوفات آبي أحمد من شبح التقسيم الذي منحه الدستور وجد ضرورة في أعادة صياغة الدستور والتخلص من مبدأ الفيدرالية الأثنية فهو أحد أهم التناقضات العميقة والتي تصب في عوامل الصراع السياسي بين سعي آبي أحمد في الوصول إلى صيغة حكم أكثر مركزية تعزز صلاحيات المركزية علي حساب صلاحيات حكومات الأقاليم وبين تخوف جبهة تحرير تيجراي من تغول أحدي الجماعتين الكبيرتين
" الأمهرا / الأورومو" .
وقد استطاعت حكومة أقليم تيجراي أن تنتزع تجديد شرعيتها علي الرغم من الحكومة الفيدرالية الأثيوبية عبر إجراء إنتخابات خاصة بالمستوى الإقليمي وقد بلغت نسبة المشاركة إلي ٨٥٪ وقد بلغت نسبة مقاعد جبهة تحرير تيجراي 152 مقعداً من أصل 190 مقعداً حيث حصدت أغلبية بمقاعد المجلس التشريعي الأقليمي .
وأخيراً أتت السياسية الاقتصادية التي تبناها آبي أحمد بمزيد من عوامل الصراع فقد تبني فكر " خصخصة الشركات الكبري " مع فتح مجال المنافسة بين الشركات الوطنية والأجنبية وهو ما ترتب عليه تهديد الإمبراطورية الإقتصادية لجماعة تيجراي والتي استطاعت أن تبسط سيطرتها علي الأقتصاد الأثيوبي لأكثر من عقدين .
إن صعوبة السيطرة علي الصراع داخل أقليم تيجراي سواء بالوصول إلى تسوية سلمية أو بلوغ الحسم العسكري إضافة إلى وجود قابلية لإنتقال الصراع إلي أقاليم إثيوبية أخرى عبر آليات متعددة ونتيجة منطقية لتشعب جذور وعوامل تأجيج الصراع وتعددها .
لم يعد الأمر مقتصر علي المعارضة داخل أقليم تيجراي بل أمتد ليصل إلي " أوروميا " وما تم تنفيذه من عمليات غرب إقليم أوروميا علي يد جبهة تحرير أورومو وما نتج عنها من مواجهات عنيفة والتي أدت إلي القبض على الرموز السياسية للمحاكمة كذلك محاولات جماعة " الأمهرا" في إستعادة السيطرة على مقاليد الحكم مما جعل من الأمهرا أهداف لهجمات مسلحة مثل تلك التي شهدتها " بني شنقول" و " جوموز " .
وفي ظل انشغال الجيش الفيدرالي في عملية إخماد الصراع وإعادة السيطرة على إقليم تيجراي بشمال البلاد تجددت الصراعات الأثنية التي لم يتم حلها بشكل جذري من جهة المكونات الأثيوبية المختلفة علي الحدود بين الأقليم الصومالي وأقليم "العفر" شرق البلاد كما قد أصيبت بعدوي الإضطرابات والصراعات ووصلت للمكونات الجنوبية حول مدينة " كونسو" فمن الواضح أنه لم يكن جبهة تحرير تيجراي الطرف الوحيد المعارض لسياسات آبي أحمد الإقصائية حيث قوبلت سياساته بالرفض من أطراف مختلفة شكلت تحالفا موسعا للمعارضة ضد آبي أحمد ورؤيته المنصبة علي إلغاء مبدأ الفيدرالية الإثنية حيث قد توافقت الأغلبية علي ضرورة الإبقاء عليه للحفاظ على التوازن القائم بين علاقة الحكومة الفيدرالية بحكومات الأقاليم وعلاقة حكومات الأقاليم ببعضها البعض .
وفي النهاية إن ما ترتب علي سوء إدارة الصراع في أقليم تيجراي وما نتج عنه من انتهاكات واسعة "لحقوق الإنسان" علي أثر ما تم ارتكابه من جرائم إبادة جماعية تخللت العمليات مع الحرص على التعتيم الإعلامي والتضييق علي عمل الصحافة والتي لاتزال حركتها إلي الأن مقيدة في كل ما يخص أقليم تيجراي سواء علي مستوي الأوضاع الإنسانية أو ما وصلت إليه العملية العسكرية داخل الإقليم مع إستمرار التضييق علي عمل المنظمات الإغاثية والإنسانية ؟؟ مع الإصرار علي تنفيذ ممارسات تستهدف وضع الإقليم في عزلة مستمرة وقطع كافة خدمات الإتصالات عن الأقليم .
إن ما ترتب عنه الصراع في إقليم تيجراي من توترات سياسية تسفر عن تهديد مباشر لاستقرار الدولة الأثيوبية قد فرض ضرورة السعي لتقديم خطاب سياسي مختلف من قبل " آبي أحمد" خطاب يعمل علي جمع شتات الأقاليم الأثنية ويوحد الجبهة الداخلية لرفع جزء من الضغوط والإغفال عن مزيد من الممارسات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تبناها آبي أحمد خطاب يوجهه الأنظار نحو مشروع وهمي ليعد في ضوئه بتحقيق تنمية زائفة تمنحه المزيد من الفرص للسيطرة علي زمام الأمور بالداخل الأثيوبي مع ضمان عدم تأجيج الصراع مجددا وظهوره علي السطح داخل الأقاليم التي احتدمت بها كافة الأوضاع وتضافرت العوامل وقد وصلت لطريق مسدود.
عزيزي حامل نوبل للسلام إن التغول علي سلطات الأقاليم لصالح بسط نفوذ الحكومة المركزية والسعي لإحكام قبضتها علي الأثنيات والتضييق الممنهج أمر قد يؤدي إلي "إنهيار" وليس " نهضة " لنظام محكم معمول به منذ عقود الأمر الذي يمثل خطورة علي المحيط الأقليمي ومن ثم الأمن الدولي .