رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

الأزهر يحسم الجدل.. هل تُؤثم المرأة إذا أخفت راتبها عن زوجها؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في ظل النقاشات المتكررة حول المال داخل الأسرة، وما إذا كان من حق الزوج معرفة راتب زوجته العاملة، خرجت الدكتورة إيمان أبو قورة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، لتوضح الموقف الشرعي والإنساني من هذه القضية التي تمس جانبًا حساسًا من الحياة الزوجية.

فقد تساءلت إحدى السيدات في برنامج تلفزيوني قائلة: «أعمل وأُخفي راتبي الحقيقي عن زوجي، رغم أنني أُساهم في مصاريف البيت بجزء منه فهل عليَّ ذنب؟»، وهو السؤال الذي فتح الباب أمام نقاش واسع حول حدود الشفافية بين الزوجين وحق المرأة في التصرف في مالها.

المصارحة أساس الحياة الزوجية.. والإخفاء يهدد الثقة

أكدت الدكتورة إيمان أبو قورة أن الأصل في العلاقة الزوجية هو المصارحة والوضوح، مشددة على أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تستقيم إلا على الثقة والمكاشفة المتبادلة.

وأوضحت أن الشفافية بين الزوجين تُعزز الاستقرار الأسري، وتجعل كل طرف يشعر بالأمان والاحترام داخل المنظومة الأسرية. وقالت:

كلما كانت العلاقة قائمة على الصدق والمصارحة، كانت أمتن وأقرب إلى الاستقرار، بينما يؤدي الكتمان إلى الشك والريبة.

وحذّرت عضو الأزهر للفتوى من أن إخفاء الراتب عن الزوج قد يُحدث شرخًا نفسيًا في العلاقة، إذ قد يشعر الزوج بالخداع أو بفقدان الثقة حين يعلم لاحقًا بالأمر. 

وأضافت أن مثل هذه التصرفات  وإن بدت بسيطة  قد تكون الشرارة الأولى لاضطراب الحياة الزوجية، لذلك ينبغي الاتفاق منذ البداية على نهج واضح في إدارة شؤون المال داخل البيت.

الشريعة الإسلامية تضمن للمرأة استقلالها المالي الكامل

من الناحية الشرعية، أكدت الدكتورة إيمان أن الشريعة الإسلامية منحت المرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها، مشيرة إلى أن الإسلام سبق القوانين الحديثة في تقرير هذا الحق.

وقالت: للمرأة في الإسلام ذمة مالية كاملة، يحق لها أن تتصرف في مالها كما تشاء، تبيع وتشتري وتهب وتنفق، دون وصاية من أحد، طالما أن زوجها لا يجبرها على الإنفاق ولا يضيّق عليها.

وشددت على أن المال الذي تكسبه الزوجة من عملها هو ملك خالص لها، ولا يجوز للزوج أن يطالبه إلا برضاها، لافتة إلى أن مشاركة المرأة في نفقات المنزل تُعد تطوعًا وإحسانًا منها وليس إلزامًا شرعيًا.

وأضافت أن الأصل أن الزوج هو المسؤول الأول عن الإنفاق، لكن إذا رغبت الزوجة في المشاركة عن طيب خاطر، فهذا يُعد من باب التعاون والتكافل الأسري، لا من باب الفرض.

المصارحة تُبقي على المودة.. والمال لا يجب أن يكون سلاحًا للخلاف

وتابعت عضو الأزهر للفتوى موضحة أن الزواج ليس مجرد عقد مادي، بل هو ميثاق روحي وإنساني قائم على المودة والرحمة، وأن المال ينبغي ألا يكون سببًا للخصام أو الخداع بين الزوجين.

وقالت إن من الأفضل أن يتشاور الزوجان في الأمور المالية ويضعا نظامًا مشتركًا للإنفاق بما يتناسب مع إمكانياتهما، حتى لا يشعر أحدهما بأنه مغبون أو مستغل.

وأضافت: من الناحية المعنوية والأسرية، الأفضل أن تسود المصارحة والمشورة بين الزوجين، لأن الحياة الزوجية شراكة روحية وإنسانية، لا تقوم فقط على الحقوق المادية

ولفتت إلى أن بعض الزوجات قد يُخفين جزءًا من رواتبهن بدافع الحذر أو لأسباب شخصية، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون عادة دائمة، لأن الاستقرار الحقيقي يبدأ من الصراحة لا من الأسرار.

وإذا كان الزوج متفهمًا ومتعاونًا، فلا داعي لإخفاء أي شيء، بل بالعكس، المصارحة تزيد من قوة العلاقة وتعمّق المودة بين الطرفين.

بين الذمة المالية والمودة الزوجية.. توازن مطلوب

أشارت الدكتورة إيمان أبو قورة إلى أن الشريعة الإسلامية توازن بين حق المرأة في الاستقلال المالي وبين قيم التعاون الأسري، فالإسلام لا يُلزم المرأة بالإنفاق، لكنه في الوقت نفسه يحثّها على الإحسان والعطاء في حدود قدرتها.

وأوضحت أن المودة الحقيقية بين الزوجين لا تُقاس بما يُنفق كل طرف، وإنما بما يُقدمه من حب وصدق وإخلاص، مضيفة أن المال وسيلة للحياة الكريمة وليس ميدانًا للمنافسة أو الإخفاء.

وأضافت أن الزوج الحكيم هو من يُقدّر دور زوجته وعملها، ولا يفرض عليها السيطرة المالية أو المطالبة براتبها، لأن ذلك يتنافى مع روح المودة التي جعلها الله أساسًا للعلاقة الزوجية.

كما نصحت الزوجات بعدم اتخاذ المال وسيلة للضغط أو وسيلة للسرية، لأن البيت الذي تُدار فيه الأمور بالخفاء معرض للتفكك العاطفي والنفسي.

رسالة الأزهر للأسر المصرية: الصراحة طريق الاستقرار

وفي ختام حديثها، وجّهت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية رسالة إلى الأسر المصرية والعربية بضرورة تعزيز ثقافة المصارحة والشفافية داخل البيوت، مؤكدة أن كثيرًا من الخلافات الأسرية تنشأ بسبب إخفاء الحقائق المالية أو سوء الفهم حول الحقوق والواجبات.

وقالت: الاستقرار الأسري يبدأ من الصراحة، فالأمان في البيت لا يصنعه المال، بل تصنعه الثقة.

وأكدت أن الأزهر الشريف من خلال مركزه العالمي للفتوى الإلكترونية يسعى دائمًا إلى نشر الوعي الشرعي السليم في القضايا الأسرية، وتوضيح الحدود الفاصلة بين الحقوق الفردية والمسؤوليات المشتركة، بما يحقق التوازن بين الحق الشرعي والواجب الإنساني.

ولا تأثم الزوجة إذا احتفظت بمالها أو راتبها، ما دامت لم تخدع زوجها أو تنكر عليه حقًا واجبًا، وللمرأة ذمة مالية مستقلة تمامًا عن زوجها، يقرّها الشرع والقانون، لكن الأفضل شرعًا وأسريًا أن تكون العلاقة قائمة على المصارحة والوضوح، لأن الكتمان يُهدد الاستقرار والثقة.

تم نسخ الرابط