باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الزي الفرعوني يشعل المنصات.. والأوقاف ترد بحسم: الفخر بالحضارة ليس حرامًا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في أجواء الافتتاح التاريخي للمتحف المصري الكبير، حيث استعاد المصريون أمجاد حضارتهم العريقة أمام أنظار العالم، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لمواطنين ارتدوا الزي الفرعوني في تعبير عن الفخر بالهوية الوطنية إلا أن تلك الظاهرة، التي بدت للبعض احتفاءً رمزيًا بالحضارة المصرية، أثارت نقاشًا واسعًا حول حكمها الشرعي، بين من رأى فيها مظهرًا ثقافيًا حضاريًا، ومن ذهب إلى تحريمها بدعوى محاكاة غير المسلمين أو تمجيد رموز وثنية.

وفي خضم هذا الجدل، جاء توضيح رسمي من وزارة الأوقاف المصرية، على لسان الدكتور أيمن أبو عمر، وكيل الوزارة لشئون الدعوة، ليضع النقاط فوق الحروف ويوضح الموقف الشرعي بضوابطه، في إطار فهم وسطي متزن يعيد الاعتبار للثقافة والتاريخ دون مساس بثوابت الدين.

الأوقاف توضح: محاكاة الزي الفرعوني ليست حرامًا

أكد الدكتور أيمن أبو عمر، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أن ما يقوم به بعض المواطنين من ارتداء الزي الفرعوني أو تغيير صورهم الشخصية على مواقع التواصل بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، ليس من الأمور المحرمة شرعًا، بل هو شكل من أشكال المحاكاة التاريخية والثقافية التي تهدف إلى تعزيز الانتماء الوطني وإحياء الموروث المصري الأصيل.

وأضاف أن القاعدة الشرعية في مثل هذه المسائل هي: "الأصل في الأشياء الإباحة"، موضحًا أنه لا يوجد أي نص شرعي صريح يُحرّم ارتداء هذه الأزياء أو تقليدها طالما كانت خالية من الرموز العقدية أو الدلالات المناقضة للإيمان.

وقال بوضوح: "لا يجوز التسرع في إطلاق كلمة حرام دون دليل شرعي قاطع، لأن القول على الله بغير علم من الكبائر التي حذر منها القرآن الكريم".

التحذير من فوضى الفتاوى ومصادرة الفرح الوطني

وشدد وكيل الوزارة على أن كلمة "حرام" ليست كلمة عابرة، بل هي حكم شرعي لا يصدر إلا بدليل واضح من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، محذرًا من انتشار فتاوى متسرعة عبر وسائل التواصل تُصادر فرحة الناس وتُسيء إلى صورة الدين.

واستشهد الدكتور أبو عمر بقول الله تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" (النحل: 116).


وأوضح أن هذه الآية الكريمة تحمل تحذيرًا إلهيًا شديدًا من إطلاق الأحكام بغير علم، وهو ما ينسجم مع منهج الأزهر والأوقاف في ضبط الفتوى وربطها بالمقاصد الشرعية لا بالانفعالات العابرة أو المزاج الشخصي.

الدين ليس ضد الفرح ولا ضد الهوية

في سياق متصل، ذكّر الدكتور أيمن أبو عمر في لقاء تلفزيوني سابق أن الإسلام لم يأتِ ليكون عبئًا على الناس أو مصدرًا للتشدد، بل أنزل الله تعالى القرآن رحمة للعالمين، واستشهد بقول الله عز وجل في مطلع سورة طه: "طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى".

وأوضح أن هذه الآية تمثل قاعدة قرآنية كبرى ترد على كل دعاة الغلو، وتثبت أن الدين جاء ليُيسّر حياة الناس لا ليعقّدها، وأن مظاهر التعبير الثقافي والفني، حين تكون خالية من المحظورات الشرعية، تدخل في دائرة المباح والفرح المأذون به.

وأضاف أن من الخطأ النظر إلى الدين باعتباره قيدًا على الإبداع أو مظاهر الفرح الوطني، مشيرًا إلى أن الإسلام دين حضاري منفتح على الثقافات، ولا يتعارض مع الاحتفاء بتاريخ الأمة ما دام ذلك في إطار من الوقار والعقلانية.

الرسول القدوة في التيسير والرحمة

وفي رده على بعض الأصوات التي تهاجم كل مظاهر الاحتفال أو التجديد الثقافي، قال وكيل الوزارة إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان المثل الأعلى في التيسير والرحمة، إذ كان يعيش بين الناس ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم بروح إنسانية عالية، مؤكدًا أن خلق النبي هو التطبيق العملي للقرآن.

واستشهد بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت: "كان خلقه القرآن"،
في إشارة إلى أن كل تصرفاته كانت ترجمةً عملية للرحمة التي جاء بها الإسلام

وأشار الدكتور أبو عمر إلى أن من يتبع هذا النهج النبوي الوسطي يجد في الدين سكينة وسعادة لا مثيل لهما، داعيًا إلى تجاوز الفكر المتشدد الذي يحاصر الناس بالأحكام دون علم أو تروٍ.

الهوية المصرية بين الحضارة والإيمان

وفي سياق متصل، أوضح وكيل الأوقاف أن الاحتفاء بالهوية المصرية القديمة لا يتعارض مع الانتماء الإسلامي، بل يعكس وعيًا بتاريخ الأمة الممتد آلاف السنين، مشيرًا إلى أن الإسلام حين دخل مصر لم يمحُ حضارتها، بل أعاد توجيهها نحو التوحيد والإبداع الحضاري.

وأكد أن الحضارة المصرية القديمة بما فيها من علوم وفنون وهندسة ومعمار هي جزء من التراث الإنساني المشترك، وأن استدعاء رموزها في المناسبات الوطنية أو الثقافية لا يعني تمجيد الوثنية، بل هو تعبير عن الاعتزاز بتاريخ ساهم في بناء هوية الأمة المصرية الحديثة.

دعوة إلى الاعتدال وفهم النصوص بروحها لا بحرفها

اختتم الدكتور أيمن أبو عمر حديثه بدعوة واضحة إلى الاعتدال في فهم الدين، مؤكدًا أن الإسلام لا يُحرم إلا ما نص عليه الدليل، وأن الخلافات الشكلية لا ينبغي أن تتحول إلى معارك تُسيء إلى صورة الإسلام في أعين الأجيال الجديدة.

وقال إن على الدعاة وأهل العلم أن يكونوا جسور تواصل بين الدين والمجتمع، لا أن يعزلوا الناس عن ثقافتهم وتاريخهم، مشيرًا إلى أن الوسطية التي يدعو إليها الأزهر والأوقاف هي السبيل الأمثل لتجديد الخطاب الديني ومواكبة العصر دون تفريط في الثوابت.

تم نسخ الرابط