الأغذية الفاسدة.. أطعمة الموت تغزو موائد المصريين بعد انتشار الغش الغذائي
انتشرت ظاهرة “مصانع بير السلم” داخل الأحياء الشعبية وعدد من المناطق الأخرى، حيث تدور عجلة "تجارة الموت" بهدوء مريب، باعتبار أن تلك الأماكن غير المجهزة وغير مرخصة وتحولت إلى بؤر لتصنيع الأغذية الفاسدة والمغشوشة، لتجد طريقها إلى موائد الملايين، مهددة صحتهم وحياتهم في سباق محموم بين الجشع وغياب الضمير.
كارثة صحية تهدد الحياة
لم تهدأ وتيرة الضبطيات الأمنية والرقابية، خلال العام الجاري 2025، حيث تكشف الأرقام والضبطيات الأسبوعية في جميع المحافظات عن حجم الكارثة المستفحلة، بعد أن تجاوز الأمر مجرد مخالفات بسيطة ليصبح شبكة منظمة تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة ورغبة المستهلك في الحصول على منتج بسعر زهيد، ولو كان الثمن هو صحته.
لا يوجد أدنى الاشتراطات الصحية
من يتأمل صور الضبطيات يجد أن أغلب مصانع بيع السير، تكون في أوكار سرية بعيدة عن أعين الجهات الرقابية، ليجد أن الأجبان والألبان والمخللات ومنتجات اللحوم والدواجن، وحتى الحلويات، يتم تصنيعها في بيئات تنعدم فيها أدنى شروط النظافة والسلامة الصحية، مستخدمة خامات منتهية الصلاحية أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وكيماويات صناعية محظورة لإخفاء الفساد وتحسين المظهر.
الأطعمة الفاسدة تملأ المحافظات
لم تنجو أيا محافظة من ظاهرة الأطعمة الفاسدة، فخلال شهر سبتمبر 2025 الماضي، شنت هيئة سلامة الغذاء حملات تفتيشية موسعة وقامت بضبط مواد فاسدة داخل 20 محافظة، من الأغذية منتهية الصلاحية والفاسدة، ومنتجات مجهولة المصدر وغير صالحة، وضبط ختم لحوم مزور، اللحوم، الألبان، المخبوزات والشاورما و ودواجن، ومواد غذائية متنوعة غير مطابقة للاشتراطات.
آلاف الأطنان يتم ضبطها بشكل شهري، من الجهات الرقابية المتمثلة في جهاز حماية المستهلك ومباحث التموين بالتعاون مع الأجهزة الرقابية الأخرى مثل الهيئة القومية لسلامة الغذاء ومديريات التموين والطب البيطري والصحة.
زيوت مجهولة المصدر بالشرقية
وفي منتصف أكتوبر 2025، هزت قضية كبرى داخل محافظة الشرقية الرأي العام، لتعكس تغلغل هذه الظاهرة، في واحدة من أقوى الضربات النوعية لحماية المستهلك بالمحافظة وقبل تداولهم بالأسواق، تم ضبط 8.5 طن زيت طعام مجهول المصدر بعدة مخازن مُستخدمة أسماء علامات تجارية شهيرة، وضبط ورشة لإنتاج العبوات البلاستيكية والملصقات المزيفة والموردة للمخازن على مستوي المحافظة والتحفظ على المضبوطات وإحالة الوقائع للنيابة العامة.

مصنع البيتزا في قبضة مباحث التموين
وفي نفس التوقيت أيضا، كانت مباحث التموين بالتعاون مع الجهات المختصة، تمكنت من ضبط 1.5 طن سلع فاسدة داخل إحدى المناطق الشعبية بالقاهرة، داخل مصنع سري لتصنيع وجبات جاهزة، وتحديداً "البيتزا".
لم يكن المكان سوى وحدة سكنية أو مخزن غير مجهز، والمضبوطات كانت عبارة عن مواد خام ومنتجات نهائية فاسدة، أقر المتهمون بحيازتها واستخدامها في إعداد وجبات جاهزة وطرحها بالأسواق لتحقيق "أرباح غير مشروعة".
29 طنا منتجات فاسدة في 3 محافظات
الضربات المتلاحقة للتجار منعدمي الضمير لا تزال مستمرة ، حيث نجحت هيئة سلامة الغذاء في ضبط 29 طنًا من المنتجات الفاسدة في الغربية والقليوبية والبحيرة، في سبتمبر الماضي، وتم إعدام كمية من المواد الغذائية منتهية الصلاحية (مياه غازية، باتيه، مجمدات، عصائر).
كما تم إعدام كميات من المنتجات الغذائية الفاسدة وأخرى ظهر عليها تغير في الخواص الطبيعية (مقطعات دواجن، شوكولاتة، مشروبات طاقة، مخللات، كيك متعدد الأصناف) وغيرها من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
هذا النمط يتكرر باستمرار، استغلال منشآت غير صالحة، واستخدام مواد مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية، ثم طرح المنتج النهائي في أسواق التجزئة والمطاعم الرخيصة التي لا تثير الشبهات غالباً.
فساد الأغذية في جميع الأنواع
هذه الأرقام تظهر أن الفساد لا يقتصر على نوع معين من الغذاء، بل يطال كل شيء تقريباً، من الوجبات الجاهزة الأساسية إلى الكماليات مثل الحلويات والمخللات، وتعكس مدى الكميات الهائلة التي يتم تداولها يومياً في السوق.
خبراء يحذرون من هذه الظاهرة
عدد من الخبراء، كشفوا أن السبب الرئيسي وراء انتشار الأغذية الفاسدة يعود إلى “ظاهرة المصانع غير المرخصة والعشوائية التي يطلق عليها ”مصانع بير السلم"، وتمثل هذه المنتجات النسبة الأعظم من الأغذية المخالفة والفاسدة وذلك بسبب صعوبة رصدها وحصرها، وبالتالي الرقابة عليها.
وأضافوا، أن هذه المنتجات تشهد رواجا ملحوظا في نسبة المبيعات خاصة في المناطق الشعبية، وذلك لرخص ثمنها مقارنة بنظيراتها من المنتجات المعلومة المصدر المنتجة من المصانع المرخصة الخاضعة للرقابة.

وتظل مهمة الرقابة الداخلية على "مصانع بير السلم" هي التحدي الأكبر للجهات الرقابية، باعتبارها تضع عبئاً إضافياً لضمان أن المنتج الذي يستهلكه المواطن المصري لا يقل جودة عن المصدر.
كما يحذر خبراء الصحة من المخاطر الجسيمة لتناول الأغذية المصنعة في هذه الأماكن، مؤكدين أن خطورة هذه المنتجات تكمن في "استخدام خامات فاسدة أو منتهية الصلاحية، أو لحوم محرم استخدامها، أو استخدام مواد مضافة محظورة أو حتى مسموح بها ولكن بنسب عالية جداً لتغطية عيوب وفساد الخامات المستخدمة".
الإضرار الشديد بصحة المستهلك
وتابع الخبراء، أن هذا الغش يتسبب في الإضرار الشديد بصحة المستهلك، وقد يؤدي إلى الإصابة بـ "الأمراض الخطيرة" مثل الفشل الكلوي والكبد والسرطان، والتي تنتج عن سوء تخزين الحبوب والمواد الخام.
والمتابع للمشهد جيدا، يجد أن هناك فئتين يجب التفريق بينها، الأولى تعمل عن عمد بغرض المكسب بصرف النظر عن ما يترتب عليه من أضرار، وهذه تتطلب الإجراءات القانونية الرادعة، والأخرى تجهل اللوائح والقوانين والممارسات الصحية الجيدة، وهذه تتطلب التوعية والإرشاد والدعم لتوفيق الأوضاع.
ومع ذلك، فإن أغلبية "مصانع بير السلم" التي يتم ضبطها تديرها الفئة الأولى، التي تعتمد على الربح السريع غير المشروع، غير عابئة بالموت البطيء الذي تقدمه للمستهلكين.
الجهات الرقابية تتلقى عشرات الشكاوي بشكل يومي، ويتم التحقيق فيها، لكن التحدي الأكبر يظل في تتبع تلك المصانع التي لا تملك أي سجلات رسمية، وتكون بعيدة عن أعين الجهات الرقابية.
زيادة توعية المواطنين
كما يجب زيادة توعية المواطن بأضرار هذه المنتجات والتأكد من مصدر المنتج، والقراءة الواعية لبطاقة البيانات الخاصة به، لأن "رخص الثمن" في الغذاء قد يكون ثمنه غالياً من صحته وسلامته، لتظل معركة الغذاء الآمن في مصر هي معركة حياة أو موت، ورائحة الفساد تظل تحوم في الأفق حتى يتم اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها.
عقوبة الغش
حدد قانون قمع الغش والتدليس التجارى، عقوبات ضد من يرتكب جريمة الغش والتدليس فى البضائع والسلع التجارية، ووضع القانون عقوبة ضد الخداع أو الشروع فى خداع المتعاقد مع التجار، بالحبس والغرامة.
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو باحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو شرع فى أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكبت الجريمة المشار إليها فى الفقرة السابقة أو شرع فى ارتكابها باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة أو باستعمال طرق أو وسائل أو مستندات من شأنها جعل عملية وزن البضاعة أو قياسها أو كيلها أو فحصها غير صحيحة.

