الموانئ الجافة.. شرايين اقتصادية تعيد رسم خريطة التجارة في مصر

شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة طفرة حقيقية في مجال النقل واللوجستيات، من خلال تنفيذ خطة قومية لإنشاء الموانئ الجافة والمناطق اللوجيستية، باعتبارها أحد أهم أدوات التنمية الاقتصادية المستدامة التي تسعى الدولة من خلالها إلى تحويل موقعها الجغرافي إلى مركز عالمي للتجارة والنقل متعدد الوسائط.
33 ميناءً جافًا
منذ عام 2014 وحتى منتصف عام 2025، نجحت وزارة النقل في إعداد وتنفيذ مخطط شامل لإنشاء 33 ميناءً جافًا ومنطقة لوجستية في مختلف المحافظات.
تشمل الخطة مناطق عدة منها: السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، السادات، دمياط الجديدة، الفيوم الجديدة، السلوم، أرقين، قسطل، توشكى، العاصمة الإدارية، ومرسى مطروح، إلى جانب المناطق اللوجستية التابعة لموانئ الإسكندرية وسفاجا.
وتستهدف هذه المشروعات منع تكدس البضائع بالموانئ البحرية، وتسهيل حركة التجارة الداخلية والخارجية، وربط مناطق الإنتاج بمراكز الاستهلاك، وتقليل تكلفة النقل، بالإضافة إلى الحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النقل البري بالشاحنات.

ميناء أكتوبر الجاف
يعد ميناء أكتوبر الجاف أول مشروع يتم تشغيله فعليًا ضمن الخطة القومية، ويمثل نموذجًا متكاملًا لتطبيق مفهوم “الميناء الذكي”.
يقع المشروع على مساحة 100 فدان بطاقة تداول 720 حاوية يوميًا وسعة تخزينية تصل إلى 260 ألف حاوية سنويًا، باستثمارات بلغت نحو 176 مليون دولار.
ويعمل الميناء بنظام الشباك الواحد الذي يتيح لصاحب الشأن فتح البيان الجمركي، والكشف، والتسعير، والتخليص في نفس اليوم، مما يقلل زمن الإفراج عن البضائع ويرفع كفاءة الخدمات اللوجستية.
كما يضم الميناء ساحات ضخمة لتخزين الواردات والصادرات، وخمس خطوط لتحميل القطارات، ومباني متكاملة للفحص الجمركي، وبوابات إلكترونية لتنظيم حركة الشاحنات.

شراكات عالمية
وتسعى الحكومة إلى إشراك القطاع الخاص المحلي والأجنبي في تطوير الموانئ الجافة، ضمن رؤية الدولة لجذب الاستثمارات المباشرة في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، حيث تم إسناد مشروع العاشر من رمضان على مساحة 250 فدانًا إلى شركة ميدلوج السويسرية، فيما يجري العمل على إنشاء موانئ جديدة في كوم أبو راضي والسلوم بالشراكة مع تحالفات مصرية وليبية.
كما تم توقيع شراكة استراتيجية مع شركة CMA CGM الفرنسية لتطوير وتشغيل ميناء أكتوبر الجاف، إضافة إلى مذكرة تفاهم مع شركة سامكريت كمطور رئيسي لأحد الموانئ الجديدة.

مردود اقتصادي مباشر
تمثل الموانئ الجافة حلقة وصل رئيسية بين المصانع والموانئ البحرية، مما يساهم في خفض تكاليف النقل وتقليل زمن التخليص الجمركي.
وأكد الدكتور عمرو السمدوني، سكرتير عام شعبة النقل الدولي واللوجستيات، أن هذه المشروعات تسهم في زيادة القدرة التصديرية للمنتجات المصرية، كما تقلل من الغرامات المفروضة على الموانئ البحرية نتيجة التأخير في الشحن والتفريغ.
وأضاف سكرتير عام شعبة النقل الدولي واللوجستيات أن إنشاء الموانئ الجافة يعزز تنافسية الصادرات المصرية في الأسواق العالمية، ويخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الصناعية، مشيرًا إلى أن الدول الكبرى تعتمد على منظومات مماثلة لتقوية سلاسل الإمداد وتحقيق الكفاءة التشغيلية.
وأشار إلى أن هذه الشراكات تؤكد توجه مصر نحو بناء اقتصاد تنافسي قائم على الخدمات اللوجستية عالية الكفاءة.

خفض الانبعاثات الكربونية
كما تعد الموانئ الجافة أداة فعالة في خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النقل البري، من خلال زيادة الاعتماد على السكك الحديدية في نقل البضائع، وهو ما يتماشى مع توجه الدولة نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
كما يسهم المشروع في تخفيف الضغط على شبكة الطرق، وتقليل تكاليف الصيانة، وتوفير كميات كبيرة من الوقود، مما ينعكس إيجابيًا على الميزان التجاري للدولة.
مركز إقليمي للتجارة واللوجستيات
وأشار الخبراء إلى أن هذه المشروعات تؤكد التزام الحكومة بتحقيق رؤية مصر 2030، التي تستهدف تحويل البلاد إلى مركز إقليمي ودولي لتجارة الترانزيت والخدمات اللوجستية.
وأضافوا أن مع اكتمال تنفيذ الموانئ الجافة والمناطق اللوجستية، من المتوقع أن تشهد مصر قفزة في حركة الصادرات والواردات، وزيادة مساهمة قطاع النقل في الناتج المحلي الإجمالي، بما يعزز مكانة الدولة كمحور تجاري يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.