رشة ملح بسيطة في سلق البيض.. أبحاث حديثة تكشف فوائدها
ليست كل الممارسات المتوارثة في المطبخ مجرد عادات بلا أساس، وبعضها، كما هو الحال مع إضافة الملح إلى الماء المغلي عند سلق البيض، يرتكز على دعائم علمية راسخة.
ورغم الاعتقاد الشائع بأن الغرض من إضافة الملح هو تسهيل تقشير البيض بعد السلق، فإن الحقيقة العلمية تظهر أن للملح وظيفة مختلفة تمامًا، وأكثر أهمية مما قد يتخيله الكثيرون.
وظيفة الملح في سلق البيض: تسريع تخثر البيض عند التشقق
عندما تسلق البيضة، تبدأ سلسلة من التفاعلات الجزيئية داخل بياضها.
الحرارة تدفع البروتينات إلى الانفصال عن تراكيبها الأصلية، ثم تعيد تشكيل نفسها في هياكل جديدة تُنتج قوامًا متماسكًا وهلاميًا، وهي العملية المعروفة باسم "تخثر البروتين" بحسب Times of india.
في الظروف المثالية، تبقى قشرة البيضة سليمة، وتحدث هذه العملية داخلها دون أي إزعاج، ولكن في كثير من الأحيان، قد تتعرض البيضة لشقوق دقيقة نتيجة اصطدامها بجدار الإناء أو بسبب التغير المفاجئ في درجة الحرارة، ما يؤدي إلى تسرب بياضها إلى الماء، تاركة وراءها فوضى من الخيوط البيضاء غير المستحبة.
هنا يأتي دور الملح، وفقًا لدراسات منشورة في مجلات علمية مثل ScienceDirect، فإن وجود الملح في الماء المغلي يُغيّر البيئة المحيطة بالبروتينات، ما يسرّع من عملية التخثر. وهذا يعني أنه في حال تشققت البيضة، يتجمد بياضها سريعًا عند ملامسته للماء المالح الساخن، مكوّنًا سدادة طبيعية تُغلق مكان الشق وتمنع تسرب المزيد من البياض إلى الماء.
حتى الكمية القليلة من الملح كافية لأداء هذه الوظيفة، وهو ما يبرز أن هذه العادة المطبخية ليست مجرد تقليد، بل تطبيق عملي لمبادئ علمية في التحكم بتفاعلات البروتين تحت تأثير الحرارة.
خرافة تسهيل التقشير
من الخرافات الشائعة التي التصقت بهذه العادة، أن الملح يُسهّل تقشير البيض المسلوق. غير أن الأبحاث والممارسات الحديثة في علوم الطهي تنفي هذا الزعم. الحقيقة أن عملية التقشير تتأثر بثلاثة عوامل أساسية:
1. عمر البيضة: البيض الطازج يلتصق غشاؤه الداخلي بقوة بالبياض، مما يجعل تقشيره صعبًا. أما البيض الذي مضى على وضعه من 7 إلى 10 أيام، فيكون أسهل في التقشير.
2. درجة حرارة الماء عند البدء: سلق البيض في ماء مغلي يُقلل من احتمالية التصاق القشرة، مقارنة بوضعه في ماء بارد ثم تسخينه.
3. الصدمة الحرارية بعد السلق: غمر البيض مباشرة في حمام ثلجي بعد طهيه يؤدي إلى انكماش بياضه وانفصاله عن الغشاء الداخلي، مما يسهل تقشيره.
وفي كل ذلك، لا يوجد أي دور مباشر للملح في تسهيل إزالة القشرة، مما يجعل هذا الاعتقاد الشعبي محض خرافة لا أساس علمي لها.
الملح من منظور كيميائي أوسع
تأثير الملح لا يقتصر فقط على البيض، بل يُطبّق على نطاق واسع في العديد من عمليات تصنيع الأغذية، مثل صناعة الجبن ومعالجة اللحوم.
إذ يعمل الملح على تعديل سلوك البروتينات، ويُساعدها على الاحتفاظ بالماء، ويُغير من بنيتها بطريقة تخدم الهدف الغذائي أو الصناعي.
بياض البيض وحده يحتوي على أكثر من 40 نوعًا مختلفًا من البروتينات، وكلٌ منها يتفاعل بطريقة مختلفة مع التغيرات في درجة الحرارة أو البيئة المحيطة به، مثل تركيز الملح.
وهذا ما يفسر لماذا تكون نتائج سلق البيض متفاوتة: فبعض البيض يخرج متماسكًا ونظيفًا، بينما يتسبب البعض الآخر في فوضى يصعب تنظيفها.
هذا التعقيد البروتيني يعني أن الطهاة، حتى في المطابخ المنزلية، بإمكانهم تحسين نتائج طهيهم بشكل ملحوظ من خلال فهم التأثيرات العلمية البسيطة لعناصر مثل الملح.
نصائح للحصول على بيض مسلوق مثالي
لضمان نتائج مثالية عند سلق البيض، ينصح خبراء الطهي بمراعاة العوامل التالية:
اختيار البيض غير الطازج قليلًا: يفضل استخدام البيض الذي يتراوح عمره بين أسبوع إلى عشرة أيام لتسهيل التقشير.
ابدأ بالماء المغلي: وضع البيض مباشرة في الماء المغلي يساعد على تقليل التشققات ويُحسّن من جودة السلق.
إضافة الملح إلى الماء: رشة صغيرة كافية لمنع تسرب البياض في حال حدوث تشقق.
استخدام حمام ثلجي بعد السلق: يساعد على انكماش البياض ويُسهل عملية التقشير لاحقًا.
رغم أن الملح يستخدم في سلق البيض منذ أجيال، إلا أن فهم السبب العلمي الحقيقي خلف هذه الممارسة يُظهر أهمية التمييز بين العادات والتقاليد من جهة، والمعرفة المستندة إلى البحث العلمي من جهة أخرى. الملح، في هذه الحالة، ليس مجرد إضافة رمزية، بل عنصر فعّال في ضمان طهي البيض بشكل نظيف وسليم. وبينما لن يساعدك على تقشير البيض، إلا أنه سيساعدك بالتأكيد على الحفاظ عليه متماسكًا، حتى لو تعرض للتشقق أثناء السلق.



