مرصد الأزهر: داعش يحوّل ملاعب الكريكت في باكستان إلى ساحات دماء

تعيش باكستان في السنوات الأخيرة حالة من الاضطراب الأمني العميق، إذ تحوّلت من ساحة صراع تقليدية مع التنظيمات المتطرفة إلى ميدان يبتكر فيه الإرهاب أدواته الجديدة لزرع الرعب في قلوب الأبرياء فبعدما استهدفت التفجيرات المساجد والتجمعات الدينية والسياسية، ها هي اليوم تمتد إلى الملاعب الرياضية، لتُحوِّلها من فضاءات للترفيه والرياضة إلى ساحات للفوضى والدماء أحدث حلقات هذا المسلسل الدموي جاء عبر تفجير إرهابي استهدف ملعبًا للكريكت في منطقة "خار"، وأسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين بينهم طفل، في مشهد صادم يكشف بوضوح تحوّل إستراتيجيات تنظيم "داعش" في المنطقة.
مرصد الأزهر لمكافحة التطرف التقط خيوط هذه التحولات الخطيرة، محذرًا من أن استهداف الملاعب الرياضية يمثل نقلة نوعية في تكتيكات الجماعات المسلحة، ويمثل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي الباكستاني، بل وللأمن الإقليمي والدولي على السواء.
هذا التحقيق يحاول أن يقرأ المشهد من مختلف زواياه: أمنيًا، اجتماعيًا، سياسيًا، وفكريًا، مع الاستعانة بخلفيات تاريخية ودينية توضح خطورة ما يجري.
من السياسة إلى الرياضة.. استراتيجية جديدة للتنظيم
من الملاحظ أن الهجمات الأخيرة التي شهدتها باكستان لم تقتصر على أهداف سياسية أو عسكرية تقليدية، بل امتدت لتشمل الملاعب الرياضية، في إشارة واضحة إلى أن التنظيم يسعى لإيجاد صدى دعائي أكبر، فالملاعب، بحكم ارتباطها بالجماهير الواسعة، تمنح منفذي العمليات فرصة لمضاعفة الرعب والتأثير الإعلامي.
مرصد الأزهر أوضح أن هذه الاستراتيجية ليست عشوائية، بل تعكس حسابات دقيقة من قبل التنظيم، إذ يسعى "داعش" لتوسيع نطاق عملياته من خلال استهداف أماكن غير متوقعة، ليظهر بمظهر "القوة الحاضرة في كل مكان"، مما يعزز دعايته المضللة وقدرته على التجنيد.
الهجمات المتكررة في بلوشستان وخيبر بختونخوا
الهجوم على ملعب الكريكت لم يكن حدثًا معزولًا ففي الشهور الأخيرة، شهدت باكستان تفجيرات دامية في مدينة كويتا بإقليم بلوشستان أثناء تجمع سياسي، أسفر عن مقتل 15 شخصًا وإصابة العشرات كما شهدت ولايتا بلوشستان وخيبر بختونخوا هجمات متكررة استهدفت رجال الشرطة ومسؤولين محليين.
هذه السلسلة من العمليات، كما يشير مرصد الأزهر، تكشف عن خطة ممنهجة لإرباك السلطات الباكستانية وإظهارها عاجزة عن حماية المواطنين، خاصة في المناطق الحدودية حيث يسهل على الجماعات الإرهابية التسلل وتنفيذ مخططاتها.
البعد الاجتماعي والنفسي للهجمات
تحويل الملاعب إلى ميادين دماء يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على المجتمع، خصوصًا الشباب الذين يجدون في الرياضة متنفسًا وحيدًا من ضغوط الحياة اليومية حين يصبح الملعب مكانًا للخوف بدلاً من الفرح، تتزعزع الروح الجماعية، ويترسخ الشعور بعدم الأمان.
هذا ما يسعى إليه "داعش": زعزعة ثقة الناس في دولتهم ومؤسساتهم، وإشاعة فكرة أن العنف قادر على الوصول إلى أي مكان وهنا يبرز البعد الأخطر، إذ إن استمرار هذه العمليات قد يُسهم في توليد مشاعر الإحباط والغضب، وهو ما تستثمره الجماعات المتطرفة في عمليات التجنيد.
ضغوط سياسية متصاعدة على الحكومة
الهجمات الأخيرة وضعت الحكومة الباكستانية أمام معضلة حقيقية، فمن جهة، يطالب الشارع الباكستاني بمحاسبة المسؤولين عن التقصير الأمني، ومن جهة أخرى تواجه السلطات تحديات اقتصادية وسياسية تعمّق من صعوبة الموقف.
مرصد الأزهر أشار إلى أن الاحتجاجات الشعبية المتزايدة قد تُشكّل ضغطًا كبيرًا على صانع القرار، مما يجعله في مواجهة مباشرة مع ضرورة إيجاد حلول عاجلة وفعّالة، سواء عبر تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي، أو عبر تقديم برامج تنموية في المناطق الهشة التي تستغلها الجماعات الإرهابية.
التناقض مع القيم الإسلامية والإنسانية
من منظور شرعي، فإن استهداف الأبرياء في أماكن عامة يُمثل جريمة كبرى تُدينها كل القيم الدينية والإنسانية قال الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، هذه الآية تضع حدًا فاصلاً بين ما يدّعيه الإرهابيون وما جاء به الإسلام من رحمة وعدل.
ويؤكد العلماء أن الرياضة بما تحمله من قيم التنافس الشريف والتآخي بين الشعوب تتعارض تمامًا مع الفكر المتطرف الذي لا يرى إلا في الدماء وسيلة لتحقيق أهدافه ومن هنا، فإن استهداف الملاعب هو اعتداء مزدوج: على الحياة الإنسانية وعلى قيم التعايش التي يدعو إليها الدين.
بين الأمن والفكر: مقترحات المواجهة
مرصد الأزهر دعا إلى مقاربة شاملة لمواجهة هذه التحديات، تقوم على:
1. تعزيز الجهود الأمنية والاستخباراتية لمنع تكرار هذه الهجمات.
2. رفع وعي الشباب عبر برامج تعليمية وإعلامية تزرع قيم النقد والتحليل، وتحصّنهم من الوقوع فريسة للدعاية المتطرفة.
3. إحياء الخطاب الديني المعتدل الذي يوضح أن الإرهاب يتناقض جذريًا مع مقاصد الشريعة.
4. تفعيل الشراكات الدولية بين باكستان ودول الجوار لمكافحة الإرهاب العابر للحدود.
الهجمات الإرهابية الأخيرة على الملاعب الباكستانية ليست مجرد حوادث معزولة، بل هي مؤشر على تحول استراتيجي في عقلية التنظيمات المسلحة، وعلى رأسها "داعش" فبينما كان الإرهاب يستهدف المساجد والأسواق والتجمعات السياسية، بات اليوم يقتحم ساحات الرياضة ليحوّلها إلى مشاهد للرعب، في تحدٍّ صارخ لكل القيم الإنسانية والإسلامية.
إن مواجهة هذا الخطر تتطلب تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع، بين الأمن والفكر، وبين الداخل والخارج فالمعركة لم تعد فقط مع جماعة متطرفة تحمل السلاح، بل مع أيديولوجيا مظلمة تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في قلوب وعقول الشباب.
ولعل الرسالة الأهم التي يوجّهها مرصد الأزهر هي أن التصدي للإرهاب لا يكون فقط بالرصاص، بل بالوعي، وبناء الإنسان، وتحصينه بالعلم والدين الصحيح. فكما أن الرياضة تصنع الحياة، كذلك التطرف يزرع الموت، وما بين الاثنين يقف العالم أمام خيار واضح: إما أن ينتصر لثقافة السلام، أو أن يترك الإرهاب يسرق فرحة الملاعب.