مفتي الجمهورية يبحث مع شيخ الإسلام في تايلاند تعزيز التعاون ومواجهة التحديات

في إطار جولة رسمية تحمل أبعادًا دينية وفكرية ودبلوماسية، شهدت العاصمة التايلاندية بانكوك لقاءً موسعًا جمع فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، مع سماحة الشيخ آرون بونتشوم، شيخ الإسلام في تايلاند، وأعضاء هيئة كبار العلماء. اللقاء الذي عُقد بمقر المركز الوطني لإدارة الشؤون الإسلامية، جاء ليؤكد مكانة مصر وريادتها الدينية عالميًّا، وحرصها على مد جسور التعاون مع المؤسسات الإسلامية في آسيا، لمواجهة التحديات الفكرية والتقنية التي يفرضها الواقع المعاصر.
التعاون العلمي والشرعي في صدارة المباحثات
تناول الجانبان خلال اللقاء ملفات استراتيجية تعكس عمق الروابط بين المؤسستين الدينيتين، على رأسها التعاون العلمي والشرعي، وتبادل الخبرات في مجال إعداد وتأهيل العلماء والدعاة.
وأكد الطرفان على ضرورة إطلاق برامج تدريبية مشتركة تساهم في رفع كفاءة الأئمة والباحثين، وتمكينهم من التعامل مع القضايا المستجدة التي يطرحها العصر. كما جرى التشديد على الدور المحوري للمؤسسات الدينية في نشر قيم الاعتدال والوسطية، ودعم الاستقرار داخل المجتمعات المسلمة وخارجها.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. تحديات الإفتاء في القرن الحادي والعشرين
في كلمته، سلط فضيلة المفتي الضوء على التحديات التكنولوجية التي فرضتها الثورة الرقمية، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، معتبرًا أنها فرصة كبرى في مجالات متعددة، لكنها في الوقت نفسه تحمل إشكالات أخلاقية وقانونية وفقهية.
وشدد على أن هذه التحولات تستدعي تطوير آليات الإفتاء وأدواته، بما يوازن بين أصالة الفقه الإسلامي ومتطلبات الواقع. وأكد أن التصدي لهذه القضايا يحتاج إلى اجتهاد جماعي ورؤية متبصرة تراعي مقاصد الشريعة وتستجيب لاحتياجات المسلمين في مختلف البيئات.
مؤتمر عالمي يرسم خريطة المستقبل
استعرض فضيلة المفتي تجربة دار الإفتاء المصرية في مواجهة هذه التحديات، مشيرًا إلى المؤتمر العالمي الذي نظمته القاهرة مؤخرًا تحت عنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، بمشاركة ممثلين من أكثر من 70 دولة.
وأوضح أن المؤتمر جاء ليؤسس لرؤية متكاملة تربط بين الأصالة الفقهية والوسائل المعاصرة، وليؤكد الدور القيادي لمصر ومؤسساتها الدينية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء، في مواجهة الفكر المتطرف، ونشر ثقافة الاعتدال عالميًّا.
رسالة الإفتاء الرشيد.. مسؤولية عابرة للحدود
شدد الدكتور عياد على أن الإفتاء لم يعد شأنًا محليًّا، بل أصبح مسؤولية عالمية تستلزم تعاون المؤسسات الإسلامية في مختلف الدول.
وأكد أن مصر تواصل القيام بدور ريادي في نشر الخطاب الوسطي، والدعوة إلى التوازن بين الأصالة والتجديد، بما يخدم قضايا الأمة الإسلامية ويعزز التعايش السلمي بين الشعوب.
إشادة تايلاندية بالدور المصري
من جانبه، أعرب سماحة الشيخ آرون بونتشوم عن تقديره العميق لمصر، مشيدًا بدور الأزهر الشريف ودار الإفتاء في خدمة قضايا المسلمين عالميًّا، ونشر قيم الوسطية.
وأكد أن زيارة فضيلة المفتي إلى تايلاند تمثل دفعة قوية للتعاون المشترك، وتعزيز العلاقات الشرعية والعلمية بما يخدم المجتمع التايلاندي والمسلمين في شتى بقاع الأرض.
كما اعتبر أعضاء هيئة كبار العلماء أن حضور المفتي يعد دعمًا استراتيجيًّا لمؤسساتهم الدينية، وحافزًا لمزيد من العمل لمواجهة التحديات الفكرية والمجتمعية.
حضور دبلوماسي يعكس ثقل اللقاء
لم يقتصر اللقاء على الجانب الديني، بل حضره عدد من الشخصيات الرسمية والدبلوماسية البارزة، من بينهم السفير تاناوات سيريكول، سفير مملكة تايلاند بالقاهرة، والسفيرة هالة يوسف، سفيرة مصر في بانكوك، إلى جانب الهيئة الاستشارية العليا لمكتب شيخ الإسلام، وأعضاء من البعثة الأزهرية في تايلاند، ومسؤولين دينيين بارزين.
هذا الحضور الرفيع يعكس الأهمية المزدوجة للقاء، كونه يجمع بين البعد الديني والدبلوماسي، ويؤكد على مكانة مصر كجسر للتواصل بين العالم الإسلامي ودول آسيا.