رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الدراما الدينية بين الرسالة والإساءة.. صورة رجل الدين تحت المجهر

أرشيفية
أرشيفية

تطرح السينما والدراما الدينية في العالم العربي والإسلامي سؤالًا حساسًا يتجاوز الفن كوسيلة للترفيه، ليدخل في عمق الهوية الدينية والثقافية: هل تسهم هذه الأعمال في تعزيز القيم الإسلامية والتعريف بسماحة الدين، أم أنها تسيء إلى صورة رجل الدين وتختزله في أنماط سلبية، تخدم توجهات فكرية معينة؟

لطالما كان رجل الدين في المخيلة الإسلامية حاملًا لرسالة عظيمة مستمدة من قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].

فالعالم في الإسلام ليس مجرد ناقلٍ للمعرفة، بل قدوة أخلاقية وروحية لكن مع تطور الدراما العربية، بدأ يظهر تصوير مشوَّه لرجل الدين، تارة باعتباره منافقًا يبرر مصالحه، وتارة أخرى كعاجز عن فهم الحياة المعاصرة، في حين يتم تهميش الصورة الأصيلة للعالم الرباني الزاهد الذي يُمثل القدوة.

الفن، وفق المنظور الإسلامي، ليس عدوًا بل أداة يمكن أن تحمل الخير أو الشر بحسب مضمونها. وقد جاء في الحديث الشريف: "إن من الشعر لحكمة" (رواه البخاري).

فإذا كان الشعر  وهو فن الكلمة  قد يحمل حكمة، فالسينما والدراما يمكن أن تكون وسيلة دعوية وإصلاحية، إذا التزمت بالضوابط الشرعية.

غير أن الصناعة السينمائية كثيرًا ما تخضع لحسابات السوق، حيث يبحث المنتجون عن الربح على حساب القيم، ما يجعل صورة رجل الدين تُوظف كأداة للسخرية أو الإثارة، بدلًا من التقدير.

التوظيف المغلوط للدين في الدراما

بعض الأعمال الفنية تخلط بين رجل الدين الحقيقي، الذي يستقي علمه من الكتاب والسنة، وبين المتشدد أو الدجال الذي يسيء استخدام الدين لتحقيق مصالح شخصية، وهذا الخلط يرسخ في أذهان المشاهدين صورة سلبية، ويُسهم في فقدان الثقة بالمؤسسات الدينية.

وهنا يجب التذكير بما قاله النبي ﷺ:
"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" (رواه البيهقي).

فالخلط بين رجل الدين الحق وأصحاب الانحراف خطأ جسيم يضر بالمجتمع.

مسؤولية الفنانين والمنتجين

لا يُمكن إعفاء صناع الدراما من مسؤولياتهم الشرعية والاجتماعية فالمسلم مأمور أن يسعى لنشر الفضيلة، قال تعالى: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ [التوبة: 105].

وعليه فإن أي إنتاج فني يجب أن يُسأل عن مضمونه: هل يُعزز الوعي الديني الصحيح، أم يُضعف القيم ويشجع على السخرية من الدين ورموزه؟

في تاريخ الفن العربي، برزت أعمال جسّدت معاني سامية، مثل المسلسلات التاريخية التي تناولت قصص الأنبياء أو الفتوحات الإسلامية وقد ساهمت هذه الأعمال في تعريف الناس بتاريخهم وقيمهم، وربط الأجيال الجديدة بسير الصالحين.

لكن هذه النماذج الإيجابية تراجعت لصالح أعمال تجارية تُثير الجدل أكثر مما تُرسخ القيم.

البعد الاجتماعي والثقافي

تشويه صورة رجل الدين في الدراما لا يقتصر على الجانب الفني، بل يحمل انعكاسات خطيرة على المجتمع فحين يُنظر إلى العلماء على أنهم مجرد شخصيات هزلية أو متعصبة، تضعف الثقة في الدين ذاته، ويُفتح الباب أمام الفكر الإلحادي أو الانحرافات الفكرية.

ولذلك حذّر الإسلام من الاستهزاء بالدين ورموزه، قال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ  لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65-66].

رؤية شرعية متوازنة

من منظور الشريعة الإسلامية، الفن وسيلة يُمكن توجيهها لنشر الفضيلة أو الرذيلة وعليه فإن المطلوب ليس محاربة السينما والدراما، بل توجيهها لتكون أداة للتربية والتوعية.

كما أن المؤسسات الدينية مدعوة للتواصل مع صناع الفن، لتقديم الاستشارات الشرعية وتوضيح الضوابط، حتى لا يقع تشويه لصورة رجل الدين.

السينما والدراما الدينية تقف اليوم أمام مفترق طرق: فإما أن تكون جسرًا للتنوير وبثّ القيم الإسلامية، أو تتحول إلى أداة لتشويه الدين ورجاله والمسؤولية في ذلك مشتركة بين الفنانين والعلماء والجمهور، فكل طرف له دور في حماية صورة الدين من العبث، وتحويل الفن إلى وسيلة لخدمة الرسالة الإسلامية، لا معاداتها.

تم نسخ الرابط