اعترافات سوزي الأردنية تكشف الأسرار.. كيف تحول تيك توك إلى بوابة لغسل الأموال؟

لم يعد عالم الجريمة المنظمة حكرًا على الأزقة المظلمة أو الحسابات البنكية السرية، فاليوم انتقل إلى أكثر المنصات الاجتماعية شهرة وتأثيرًا، تطبيق "تيك توك"، الذي بدأ كمنصة لعرض المقاطع الطريفة والرقصات السريعة، تحول في الخفاء إلى بوابة ذهبية لغسل الأموال، حيث تختلط "الهدايا الرقمية" بالتحويلات المشبوهة، ويذوب الخط الفاصل بين الترفيه والجريمة المالية.
قضية "سوزي الأردنية" التي تصدرت عناوين الأخبار تعد إنذارًا صريحًا بأن خلف واجهة البث المباشر والألوان المبهجة، هناك شبكة مالية مظلمة تعيد رسم خرائط غسيل الأموال عالميًا.
اعترافات تفتح الباب لكشف الشبكة
أعلنت وزارة الداخلية المصرية اتخاذ إجراءات قانونية ضد "مريم.ا" المعروفة بـ"سوزي الأردنية" بتهمة غسل 15 مليون جنيه، حصّلتها من بث فيديوهات مخالفة لقيم المجتمع على تيك توك، قبل أن تحاول إضفاء طابع قانوني على هذه الأموال بشراء وحدات سكنية.

القضية كشفت عن أسلوب ممنهج تستخدمه شبكات غسل الأموال حول العالم، هو شراء عملات تيك توك الافتراضية (Coins) بأموال غير مشروعة، ثم إرسالها كهدايا لمقدمي المحتوى في البث المباشر، ليقوموا بتحويلها إلى أموال حقيقية تودع في حساباتهم البنكية، بعد اقتطاع عمولة التطبيق.
تحول اللايف لـ" قناة مالية مشبوهة"
ميزة البث المباشر التي أطلقها تيك توك عام 2019، كانت نقطة تحول كبيرة في إيرادات المنصة، لكنها أيضًا وفرت ثغرة خطيرة.، فالهدايا الرقمية التي يرسلها "الداعمون" يمكن تحويلها مباشرة إلى أموال حقيقية، ما جعلها وسيلة مثالية لغسل الأموال بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية.
لماذا يصعب تتبع الحسابات
خبراء الأمن السيبراني يؤكدون خلال حديثهم لـ« تفصيلة»، أن تتبع هذه العمليات بالغ الصعوبة بسبب:
- تعدد الحسابات الوهمية.
- استخدام الشبكات الافتراضية (VPN) لإخفاء الموقع الحقيقي.
- تقسيم المبالغ الكبيرة إلى معاملات صغيرة لتفادي الشبهات.

شهادات من داخل المنصة
عدد من مشاهير تيك توك اعترفوا بتلقيهم عروضًا للمشاركة في هذه العمليات، بعضهم قال إن جهات مجهولة عرضت إرسال هدايا مقابل نسبة من قيمتها، بينما أوضح آخرون أن الحسابات التي تتواصل معهم تختفي فجأة بعد أيام، ما يعكس الطابع السري لهذه الشبكات.
سوق الجولات
"جولات تيك توك" (المباريات القصيرة بين الباثين) باتت بيئة خصبة لهذه العمليات، في 5 دقائق فقط، يمكن أن تصل قيمة الهدايا المرسلة إلى عشرات آلاف الدولارات، وغالبًا ما تأتي من حسابات مجهولة أو بأسماء مستعارة.
تحذيرات دولية وتحركات قانونية
الولايات المتحدة، تركيا، والعراق، اتخذت إجراءات مباشرة ضد تيك توك أو وكلائه بعد رصد تحويلات مالية بملايين الدولارات مرتبطة بأنشطة غسل أموال وتمويل مشبوهة، كما حذر خبراء من أن العملات الافتراضية داخل المنصة تفتقر لضوابط كافية لمكافحة هذه الجرائم، ما يجعلها "الملاذ الجديد" لمجرمي الإنترنت.
كما دعا المختصون إلى ضرورة إلزام المنصات الرقمية بتسجيل تعاملاتها المالية لدى الجهات المختصة، و فرض تحقق صارم من هوية مستخدمي الحسابات، واستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي لرصد الأنماط المالية المريبة.
قضية "سوزي الأردنية" وغيرها من " التيك توكر" فتحت الباب أمام تحقيقات أوسع، ورسخت قناعة بأن المعركة مع غسل الأموال لم تعد تدور في المصارف التقليدية فقط، بل انتقلت إلى شاشات الهواتف الذكية، حيث يختلط المحتوى الترفيهي بأموال غير مشروعة.