"لعبة الطيارة".. ترفيه افتراضي يتحول إلى قمار رقمي يهدد الشباب

في زحمة التطبيقات والألعاب الرقمية التي تملأ يوميات المراهقين والشباب، ظهرت على الساحة الإلكترونية لعبة جديدة تُعرف بـ"الطيارة"، لتتحول سريعًا من مجرد لعبة إلى ظاهرة تستدعي الوقوف أمامها.
في هذا التقرير يُسلّط موقع "تفصيلة" الضوء على خفايا هذه اللعبة، ويستعرض آراء علماء الشريعة، ويوضخ أبعادها النفسية والشرعية، وسط تزايد المخاوف من تحولها إلى وسيلة قمار رقمية مغلفة بواجهة ترفيه.
ما هي لعبة "الطيارة"؟
في ظاهرها، تبدو "لعبة الطيارة" بسيطة لا تتطلب كثيرًا من التفكير، فاللاعب يدخل إلى غرفة افتراضية، حيث تقلع طائرة إلكترونية وتبدأ بالتحليق تدريجيًا في السماء، يصاحب هذا الارتفاع مضاعفة للأرباح.
لكن اللعبة تحوي عنصرًا خطيرًا: يجب على اللاعب أن ينسحب قبل "تحطم الطائرة" بشكل مفاجئ، وإذا لم ينسحب في الوقت المناسب، يخسر كل ما راهن به.
وهنا مكمن الجاذبية والإدمان؛ كل ثانية إضافية تعني ربحًا أكبر، لكنها تحمل معها أيضًا احتمالية الخسارة الكاملة فاللاعب يظل تحت ضغط نفسي هائل، هل ينسحب الآن أم يغامر قليلًا؟ ومع كل جولة، تزداد الرغبة في تعويض الخسارة أو مضاعفة الأرباح.
وما بين "الانتظار القاتل" و"السقوط المفاجئ"، يقع اللاعب في فخ نفسي يشبه تمامًا مشاعر المقامر حيث تسيطر عليه فكرة الحظ والاحتمالات، لا المهارة أو التفكير.
إدمان اللعبة
لا تقتصر خطورة "الطيارة" على الخسائر المادية، بل تتجاوز ذلك إلى الإدمان النفسي والسلوكي، فاللعبة تعتمد على ما يُعرف في علم النفس بـ"نظام المكافأة"، حيث تُحفز اللاعب عبر شعور مؤقت بالنشوة عند الفوز، يليها رغبة جامحة في تكرار التجربة مهما كانت الخسائر.
وهذا ما يفسر لماذا يقضي بعض اللاعبين ساعات متواصلة أمام اللعبة، مدفوعين بأمل "الربح القادم" أو "تعويض الخسارة الماضية"، وهو ما يدخلهم تدريجيًا في حلقة مغلقة من الإدمان والمقامرة الخفية.
ومن الملفت أن بعض اللاعبين باتوا يلجؤون إلى خطط، بل وحتى "روبوتات ذكية" للمراهنة داخل اللعبة، في مشهد يقترب كثيرًا من عالم البورصة والمضاربة المالية، دون أي رقابة حقيقية أو وعي بالمخاطر.
الرأي الشرعي.. هل هي لعبة أم قمار محرم؟
من منظور الشريعة الإسلامية، لم تمر اللعبة دون تدقيق فقهي، خاصة بعد تصاعد الأسئلة حول حكمها الشرعي.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية في أكثر من فتوى أن كل ما يدخل تحت المراهنة أو الغرر أو المقامرة محرم شرعًا، وأن الألعاب التي تعتمد على احتمالات المكسب والخسارة المرتبطة بالمال، تخرج من دائرة الترفيه إلى دائرة القمار المحرَّم.
وأوضحت الإفتاء أن لعبة "الطيارة" بها عنصرين محرمين شرعًا:
1. الغرر: وهو الجهل بالعواقب أو المصير، حيث لا يعلم اللاعب متى تتحطم الطائرة، ولا يملك وسيلة حقيقية للتحكم في النتيجة.
2. المقامرة: وهي وضع المال في رهان لا يخضع لقواعد معلومة أو مهارات معروفة، بل مجرد الحظ.
واستشهدت الإفتاء بحديث النبي ﷺ الوارد في صحيح مسلم: "من قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق"، وهو نصٌّ صريح في التحذير من دعوة الغير إلى المقامرة حتى على سبيل المزاح أو التجربة.
وبالتالي، فإن لعبة "الطيارة" تُعدّ من قبيل المقامرة الرقمية، ولا تختلف عن المراهنات في صالات القمار، بل قد تكون أشد خطرًا؛ لأنها متاحة بسهولة عبر الهاتف، وتخاطب جمهورًا واسعًا من صغار السن.
مخاطر اجتماعية ونفسية
لا تقتصر تداعيات اللعبة على الجانب الشرعي فقط، بل تمتد إلى آثار نفسية واجتماعية كارثية، خاصة مع تعلق المراهقين والشباب بها، وغياب الوعي الأسري بمخاطرها.
وقد رصدت جهات استشارية وعلاجية تزايد حالات الإدمان الإلكتروني المرتبطة بهذه اللعبة، فضلًا عن تفشي القلق، واضطراب النوم، والتوتر العصبي، والرغبة في الانعزال.
ويصل الأمر في بعض الحالات إلى الاقتراض أو سرقة الأموال لمواصلة اللعب، ما يهدد كيان الأسرة واستقرارها.
كما أشار مختصون إلى أن اللعبة تسوّق نفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومؤثري المنصات، الذين يروجون لها كوسيلة للربح السريع، دون الإشارة إلى جانبها القماري أو محاذيرها الشرعية.
ورغم خطورة اللعبة، لا تزال متاحة في كثير من التطبيقات والمنصات الإلكترونية دون رقابة تُذكر، وهو ما يطرح تساؤلات حول دور الجهات الرقابية والتشريعية في الحد من انتشار هذا النوع من الألعاب.
ويطالب الخبراء والمؤسسات المعنية بسرعة وضع آليات قانونية لحظر أو تقنين الألعاب ذات الطابع المقامر، وتوعية أولياء الأمور بخطورتها، خاصة أن كثيرًا من الضحايا هم من فئة المراهقين الذين لا يملكون إدراكًا كافيًا لطبيعة ما يدخلون فيه.
"الطيارة" ليست مجرد لعبة، بل نموذج صارخ للمقامرة الرقمية في حياتنا تحت مسمى الترفيه.
وما لم يتحرك المجتمع، علميًا وشرعيًا وقانونيًا، فإن آلاف الشباب قد يجدون أنفسهم داخل دوامة من الخسارة النفسية والمادية والدينية يصعب الخروج منها.
إن الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجميع هي أن الترفيه لا يجب أن يتحوّل إلى مقامرة، والربح لا يبرر الوقوع في الحرام.
فكما قال النبي ﷺ: "إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات..."، وما خالطه الشك، فالسلامة في اجتنابه.
والوعي، قبل الفتوى، هو الجدار الأول في مواجهة هذه الفتن الرقمية المتزايدة.