رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

فتاوى بلا مفتي.. هل يحل الذكاء الاصطناعي محل المفتي؟

أرشيفية
أرشيفية

مع التقدم المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسلّل الجدل إلى ساحة الفقه الإسلامي، خاصة مع ظهور روبوتات ومنصات رقمية باتت تقدم إجابات تُشبه الفتاوى للمسلمين في مختلف أنحاء العالم.

وأمام هذا الواقع الجديد، تبرز تساؤلات مشروعة وملحّة: هل يصح الاعتماد على برامج إلكترونية للإفتاء؟ ومن المخوَّل شرعًا بامتلاك أهلية إصدار الفتوى؟

في هذا التقرير، يسلط موقع "تفصيلية" الضوء على آراء العلماء والفقهاء والمؤسسات الدينية، ويفتح ملفات هذا الجدل، ويرصد أبعاد دخول الذكاء الاصطناعي إلى ساحات الفقه.

الذكاء الاصطناعي يدخل ساحة الإفتاء

شهدت السنوات الأخيرة ظهور العديد من التطبيقات والمنصات الذكية التي تتيح للمستخدمين طرح أسئلتهم الشرعية والحصول على إجابات في ثوانٍ، بل بلغ الأمر أن بعض الشركات طورت روبوتات ناطقة بفتاوى، مستندة إلى قواعد بيانات ضخمة تم تدريبها على كتب فقهية وفتاوى تقليدية.

تقوم هذه الأنظمة بتحليل السؤال، والرجوع إلى المصادر المخزنة لديها، ثم تُنتج نصًّا يبدو في ظاهره كفتوى شرعية. لكن هل هذا كافٍ؟ وهل تكفي البرمجة لتحل محل الفقهاء؟

الفتوى بين العلم والفقه

الفتوى، بحسب تعريف العلماء، ليست مجرد استدعاء للنصوص، بل هي عملية اجتهادية دقيقة تتطلب فهمًا عميقًا للسؤال وسياقه، والواقع المحيط به، وما قد يترتب على الجواب من آثار شرعية واجتماعية؛ فالفقيه لا ينقل فقط، بل يوازن ويراعي ويتأنى.

ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة مذهلة، إلا أنه لا يعي المقاصد، ولا يفهم النوايا، ولا يدرك ما يُعرف بـ"فقه الواقع"، ولهذا يؤكد المختصون أن الآلة، مهما بلغت دقتها، لا تملك "الملكة الفقهية" التي يتمتع بها العلماء الربانيون.

لا شرعية لفتاوى الروبوتات

في أول رد فعل رسمي على هذه الظاهرة، أكدت جهات الإفتاء أن الفتوى مسؤولية شرعية لا يجوز أن تصدر إلا من أهل العلم المختصين، الملمين بالعلوم الشرعية والاجتماعية والواقعية.

وشددت جهات الإفتاء على أن "فتاوى الذكاء الاصطناعي" تفتقر إلى التقدير البشري الضروري، وإلى العنصر الأخلاقي والديني الذي يحكم عملية الإفتاء، إذ ليس كل سؤال له جواب جاهز محفوظ في قاعدة بيانات.

كما أكدت المؤسسات الدينية أن الفتوى يجب أن تصدر عن شخصية مؤهلة، عاقلة، مدركة، ومسؤولة عن كلمتها أمام الله والناس، وهو ما لا يمكن نسبته إلى نظام رقمي مهما بلغ تطوره.

التكنولوجيا كأداة مساعدة لا بديل للفقهاء

لا تنكر المؤسسات الدينية أهمية التكنولوجيا، بل ترحب باستخدامها في تنظيم العمل الإفتائي، مثل: أرشفة الفتاوى، وتسهيل الوصول إلى المعلومات، وربط السائلين بالمفتين، لكن بشرط أن تبقى الأداة خادمة لا متصدرة، بمعنى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعدًا للفقيه، لا بديلاً عنه؛ قد يُسهّل تجميع الأقوال، أو ترتيب المسائل، أو تحليل الاتجاهات، لكنه لا يمكنه إدراك مقاصد الشريعة، ولا الغوص في أعماق النفس البشرية.

فتاوى المؤثرين.. وسؤال المشروعية

لم تقف المسألة عند حدود الروبوتات، بل تفاقمت مع ظهور عدد كبير من المؤثرين الرقميين الذين يقدّمون فتاوى يومية عبر منصاتهم، بعضها دون تأهيل علمي أو مرجعية شرعية، وهو ما أعاد إلى الواجهة سؤالًا قديمًا: من يملك حق الإفتاء؟

يرى كثير من المتخصصين أن غياب الضبط المؤسسي في الفضاء الرقمي سمح بانتشار ما يسمى بـ"الإفتاء الشعبي"، الذي يعتمد على الشهرة لا على العلم، ويؤدي إلى تشويش المفاهيم، وإثارة الفتن، فضلًا عن تحريف الفهم الصحيح للدين.

تحذيرات من "تشويه المفاهيم" عبر فتاوى رقمية

حذرت جهات دينية من أن اعتماد الناس على فتاوى الروبوتات قد يؤدي إلى ترسيخ فهم خاطئ للدين، وتغليب الشكل على الجوهر، والعقل الحاسوبي على العقل المقاصدي.

بل إن هناك مخاوف من أن تُسهم هذه الفتاوى في انتشار خطاب ديني جامد، لا يراعي الواقع ولا تطورات المجتمعات، مما قد يُنتج أزمة ثقة بين العامة والعلماء الحقيقيين.

ويرى البعض أن الحل لا يكمن في رفض التكنولوجيا، بل في تقنين استخدامها، من خلال تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تحت إشراف علماء مؤهلين، وبشروط شرعية، على أن تُستخدم هذه الأنظمة كأدوات مساعدة، لا ككيانات مستقلة.

كما يطالب المختصون بضرورة تدريس فقه التكنولوجيا في كليات الشريعة، وتدريب المفتين على استخدام أدوات العصر، دون أن يفقدوا مرجعيتهم العلمية.

الفتوى فعل إنساني لا يُستبدل بالآلة

في بيان لها، قالت دار الإفتاء، إن عملية الإفتاء عملًا إنسانيًا عميقًا، لا يمكن اختزاله في معادلات حسابية أو نصوص برمجية، فالفقهاء هم ورثة الأنبياء، وإن أحسنت التكنولوجيا، فإنها لا يمكن أن تحل محلهم.

وأكدت على أن الفتوى في الإسلام فعلاً مسؤولًا، محكومًا بالتقوى، والفهم، والواقع، والنية، ولهذا فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه في زمن الذكاء الاصطناعي ليس: "هل تفتي الآلة؟"، بل: "كيف نستخدم الآلة لخدمة الفتوى دون أن تمس قدسية العلم والدين؟".

تم نسخ الرابط