مناورة نتنياهو الإنسانية.. محاولة لتخفيف الأزمة أم لكسب الوقت؟

في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية وتغرق غزة في مجاعة مدمرة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 28 يوليو 2025، عن خطة "إنسانية" لتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع، تتضمن وقفات تكتيكية في العمليات العسكرية، وإنشاء ممرات آمنة لتوزيع الإغاثة، واستئناف عمليات الإنزال الجوي.
القرار جاء بعد انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار، وتزايد الانتقادات الدولية بشأن الكارثة الإنسانية المتفاقمة، فيما لم يخلُ من حسابات سياسية داخلية دفعت نتنياهو إلى استغلال فترة عطلة الكنيست لتقليل تأثير ضغوط وزرائه المتشددين.
توقيت القرار
يرى مراقبون أن اختيار نتنياهو توقيت الإعلان لم يكن عشوائيًا، إذ يتزامن مع دخول الكنيست في إجازة، مما يمنحه هامشًا للتحرك دون تهديدات فورية من وزراء مثل إيتمار بن غفير، الذين وصفوا الخطوة بأنها "تنازل غير مبرر".
وفي المقابل، اعتُبر القرار استجابة جزئية للغضب الدولي، بعد تداول صور وتقارير عن فلسطينيين يلاحقون المساعدات تحت القصف.
ضغوط الداخل والخارج
يعاني نتنياهو من توازن هش بين إرضاء اليمين المتشدد في حكومته، ومطالب المجتمع الدولي بتحسين الوضع الإنساني. إذ يرى شركاؤه أن أي تخفيف للحصار قد يمنح حركة حماس مكاسب سياسية أو عسكرية، بينما تتجه أصابع الاتهام في الغرب إلى إسرائيل، متهمة إياها بتجويع سكان غزة.
ولم يتردد نتنياهو في مهاجمة الأمم المتحدة، متهمًا إياها بـ"نشر أكاذيب"، في محاولة لتحويل الأنظار عن فشل إدارته للملف الإنساني، رغم إعلانه إدخال المزيد من المساعدات "بشكل مسؤول".
انقسام المواقف
ردود الفعل على الخطة تراوحت بين رفض قاطع من حماس، التي اعتبرتها خطوة تجميلية بلا تأثير حقيقي، وترحيب حذر من أطراف إقليمية، بينها الأردن والإمارات، اللتان نفذتا عدة عمليات إنزال جوي لدعم القطاع.
ومع ذلك، تؤكد الأمم المتحدة أن القطاع بحاجة إلى 500 شاحنة مساعدات يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، بينما لم يتجاوز العدد 100 شاحنة في الأشهر الماضية.
وفي هذا السياق، أعلنت مصر عن تحرك قوافل مساعدات جديدة باتجاه الحدود، في مؤشر على تنسيق إقليمي لدعم الخطة.
ازدواجية الموقف الأمريكي
زاد المشهد تعقيدًا بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أدلى بتصريحات متناقضة حول المجاعة في غزة.
ففي مؤتمر صحفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية، وصف الجوع في القطاع بأنه "مروع"، قبل أن ينكر لاحقًا وجود مجاعة، مكتفيًا بالحديث عن "سوء تغذية"، مع تكرار مزاعم بأن "حماس تسرق المساعدات".
ورغم ذلك، تعهد ترامب بزيادة الدعم الأمريكي لغزة، وسط جهود أوروبية وأممية للضغط على تل أبيب لتسهيل إدخال المساعدات، في ظل استمرار عمليات القصف.
الكارثة مستمرة
في غضون ذلك، تواصل المجازر الإسرائيلية حصد الأرواح، إذ استشهد 66 فلسطينيًا يوم الأحد وحده، بينهم شهيد بسبب الجوع وسوء التغذية، في مشهد يلخص فداحة الأزمة.
وبلغت الحصيلة الإجمالية منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر من 59 ألف شهيد، و143 ألف مصاب، وفق وزارة الصحة في غزة.
كما قُتل 11 شخصًا على الأقل خلال محاولتهم الوصول إلى المساعدات، ليصل عدد "شهداء لقمة العيش" إلى 1132 شهيدًا، وأكثر من 7500 مصاب.
مع استمرار القصف والحصار والمجاعة، يبقى نجاح خطة نتنياهو مشروطًا بمدى التزام إسرائيل بتنفيذها فعليًا، وتعاون الأطراف الدولية في ضمان تدفق المساعدات بشكل مستدام.
لكن في ظل غياب وقف حقيقي لإطلاق النار، وتزايد فقدان الثقة بين الأطراف، تبرز شكوك حول جدية الخطة وما إذا كانت مجرد مناورة سياسية مؤقتة لكسب الوقت وامتصاص الغضب الدولي.
وفي خضم ذلك، يظل سكان غزة عالقين بين الجوع والقصف، بانتظار تحرك دولي حقيقي يعيد لهم الحد الأدنى من الحياة.