زيارة ترامب للشرق الأوسط تعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية: الرابحون والخاسرون

في واحدة من أكثر الزيارات إثارة للجدل والزخم السياسي، حملت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية جملة من الرسائل الرمزية والمواقف الاستراتيجية التي أعادت رسم بعض ملامح التوازنات الإقليمية، كاشفة عن خارطة رابحين وخاسرين.
الزيارة، التي لم تقتصر على توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ضخمة، كشفت عن اصطفافات جديدة وأعادت تعريف مواقع بعض الدول في معادلة النفوذ الشرق أوسطي، حيث خرجت دول مثل السعودية وسوريا وتركيا رابحة بامتياز، بينما تلقت أطراف مثل إيران وإسرائيل والحزب الديمقراطي الأمريكي صفعات سياسية ورمزية واضحة.
الرابحون
السعودية: شراكة استراتيجية مع وول ستريت ووادي السيليكون
حققت الرياض مكاسب استراتيجية من العيار الثقيل، توجتها بتوقيع وثيقة تعاون اقتصادي مع الولايات المتحدة، وصفها مراقبون بأنها خطوة نحو تعميق التحالف مع واشنطن وإعادة التموضع كشريك اقتصادي وعسكري رئيسي في المنطقة.
الصفقات التي أُبرمت – ومن بينها صفقة تسليح تاريخية بقيمة 142 مليار دولار – لم تقتصر على الجانب الدفاعي، بل امتدت إلى الطاقة، الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية، في إطار رؤية سعودية طموحة لتوطين التكنولوجيا وخلق وظائف نوعية للمواطنين.
سوريا: رفع العقوبات واعتراف أمريكي رسمي
في تحول مفاجئ، التقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع في أول قمة أمريكية-سورية منذ ربع قرن.
وجاء اللقاء بعد إعلان نية واشنطن رفع العقوبات عن دمشق، ما اعتُبر اختراقًا دبلوماسيًا كبيرًا للنظام السوري، الذي نال اعترافًا دوليًا طال انتظاره.
هذه الخطوة قوبلت بترحيب شعبي ورسمي عربي، وأعادت وضع سوريا على الطاولة الدولية كشريك محتمل في جهود إعادة الإعمار، وسط إشارات إلى بداية مسار تطبيع شامل مع الغرب.
الخليج: تعزيز أدوار الوساطة الإقليمية
القمة الخليجية-الأمريكية فتحت الباب أمام دول مجلس التعاون لعرض رؤاها حيال الملفات الساخنة، من البرنامج النووي الإيراني إلى أمن البحر الأحمر.
برزت السعودية، عمان، وقطر كلاعبين محوريين في أدوار الوساطة، مما يعزز من مكانة الخليج في معادلات التفاوض الدولية.
تركيا: تقاطع مصالح مع واشنطن ودمشق
أنقرة كانت من المستفيدين غير المباشرين من القرار الأمريكي برفع العقوبات عن دمشق.
تركيا، التي عانت طويلاً من تهديدات أمنية على حدودها الجنوبية، ترى في هذا التحول فرصة لتقليص النفوذ الكردي وتقليل موجات اللجوء، مع عرضها المساعدة في إدارة السجون التي تضم عناصر داعش.
الشركات الأمريكية: تدفقات استثمارية غير مسبوقة
القطاع الخاص الأمريكي كان في قلب هذه الزيارة، مع مشاركة قادة وادي السيليكون و"وول ستريت" في منتدى استثماري نوعي بالرياض.
أعلنت السعودية عن استثمارات ضخمة في السوق الأمريكية، شملت الطاقة، الذكاء الاصطناعي، والصناعات الصحية، إضافة إلى مشاريع مشتركة تجاوزت قيمتها 80 مليار دولار.
الخاسرون
إيران: تراجع النفوذ وسقوط أوراق ضغط
رغم حديث ترامب عن عدم السعي لعداوات دائمة، فإن زيارة الرياض مثلت ضربة استراتيجية لطهران، ففقدان الحليف السوري وخسارة النفوذ الإقليمي لصالح المحور العربي الجديد أضعف موقف إيران في مفاوضاتها النووية، وسط تفاقم أزماتها الاقتصادية الداخلية.
إسرائيل: تجاهل دبلوماسي ورسالة باردة
اللافت في جولة ترامب الخليجية كان غياب إسرائيل عن أجندته، رغم مطالبات تل أبيب باستضافته.
وفسّر مراقبون هذا الغياب بأنه مؤشر على فتور العلاقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسط تصريحات ساخرة من مسؤولين أمريكيين قللوا من أهمية الزيارة إلى إسرائيل في هذه المرحلة.
الصين: تقليص حصة النفوذ الاقتصادي
كانت بكين في طريقها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الرياض، لكن زيارة ترامب أبطأت هذا المسار.
الاستثمارات السعودية التي كانت مرشحة للذهاب شرقًا اتجهت غربًا، مدفوعة بإعادة الدفء إلى العلاقات السعودية الأمريكية، مما شكّل تراجعًا نسبيًا للطموحات الصينية في الخليج.
الحزب الديمقراطي: خسارة نقاط في السياسة الخارجية
استثمر ترامب زيارته لتسجيل نقاط ضد إدارة بايدن، مبرزًا الاتفاقات الاقتصادية والاستراتيجية التي لم تُنجز في العهد الديمقراطي.
قدّمت الجولة نفسها كأداة انتخابية مبكرة، موجهة رسالة مفادها أن الجمهوريين وحدهم قادرون على إعادة الحيوية للعلاقات الأمريكية العربية.