مسيرة طويلة من الجدل.. التطور التشريعي لقوانين الإيجار في مصر

في خطوة تشريعية تُعد من بين الأكثر جدلًا وتأثيرًا في الواقع الاجتماعي والاقتصادي المصري، شهد مجلس النواب مناقشات معمقة بشأن مشروعَي قانونين يتعلقان بتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في ضوء أحكام الإيجار القديم، وذلك بحضور وزراء معنيين وقيادات برلمانية وتشريعية.
وتأتي هذه المناقشات في إطار استجابة الحكومة لحكم المحكمة الدستورية العليا الأخير، الذي أعاد فتح ملف الإيجارات القديمة، بعد عقود من الجدل بين الحفاظ على الحقوق الاجتماعية للمستأجرين، وصيانة الحق الدستوري للملكية الخاصة.
تعكس هذه التطورات تحوّلًا نوعيًا في النظرة التشريعية لهذا الملف، إذ تتبنى الحكومة نهجًا يقوم على التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، عبر فترات انتقالية وضوابط تدريجية لتحرير العلاقة، بما يحفظ استقرار المجتمع، ويعيد الاعتبار لمفهوم الملكية، دون الإخلال بالأبعاد الإنسانية والاجتماعية.
ومن خلال العرض الذي قدمه وزير الشئون النيابية محمود فوزي، ووزير الإسكان شريف الشربيني، يتضح أن التوجه التشريعي الحالي لا يهدف إلى صدام مع أي من الطرفين، بل يسعى لبلورة صيغة عادلة ومستقرة، تستند إلى أحكام قضائية باتّة، وتواكب التغيرات الديمغرافية والاقتصادية للمجتمع المصري.
العدالة والتوازن
وأكد وزير الشئون النيابية، أن الحكومة لا تنحاز لطرف على حساب الآخر، وأن الهدف الأساسي هو تحقيق العدالة والتوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر، بما يحفظ استقرار المجتمع.
وأوضح فوزي أن هناك عوامل تجعل قوانين الإيجار القديم مثار جدل واسع، أبرزها الامتداد القانوني لعقد الإيجار وثبات الأجرة لفترات طويلة.
أحكام المحكمة الدستورية
واستعرض الوزير أبرز أحكام المحكمة الدستورية العليا التي شكلت ملامح هذا التعديل، مشيرًا إلى صدور 39 حكمًا في قضايا متعلقة بإيجار الأماكن، بينها 26 حكمًا بعدم الدستورية.
من بين أهم هذه الأحكام:
- 1996: عدم دستورية استمرار الشركاء في النشاط التجاري بعد ترك المستأجر الأصلي.
- 1997: بطلان توريث الإيجار في النشاط التجاري بعد وفاة المستأجر.
- 2002: قصر الامتداد القانوني لعقد الإيجار على المستأجر وزوجته وأبنائه لمدى جيل واحد فقط.
- 2018: بطلان امتداد عقود إيجار الأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى.
بداية التحول في قانون الإيجار
بناءً على هذه الأحكام، صدرت عدة قوانين أبرزها قانون رقم 6 لسنة 1997، والذي نظم امتداد العقود غير السكنية وأعاد تحديد الأجرة.
كما صدر في عام 2022 القانون رقم 10، الذي عالج أوضاع الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية، محددًا فترة انتقالية مدتها خمس سنوات وزيادة تدريجية في القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًا.
بطلان تثبيت الأجرة السكنية منذ 1981
وأشار فوزي إلى الحكم الصادر في 9 نوفمبر 2024، والذي قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما يخص تثبيت الأجرة للأماكن السكنية، وحددت المحكمة سريان آثار حكمها مع انتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي.
وأكد الوزير أن المشروع المعروض على البرلمان يأتي التزامًا بهذا الحكم، ويراعي الحفاظ على البعد الاجتماعي، مع احترام الملكية الخاصة وتحقيق العدالة.
أبرز ملامح مشروع القانون الجديد
كما استعرض وزير الشئون النيابية أهم البنود التي يتضمنها مشروع القانون الجديد، وجاء أبرزها:
- تحرير العلاقة الإيجارية تدريجيًا بعد فترة انتقالية.
- زيادة الأجرة القانونية وفق موقع الوحدة (مدينة – قرية).
- تمييز بين الوحدات السكنية وغير السكنية في آلية التطبيق.
- منح المستأجرين أولوية في الحصول على وحدات بديلة (سكنية أو تجارية أو إدارية) بنظام الإيجار أو التمليك من الوحدات المتاحة لدى الدولة.
توفير بدائل للمستأجرين
من جانبه، أكد وزير الإسكان أن الحكومة ستراعي البعد الإنساني في التطبيق، وستعمل على توفير أماكن بديلة لمن ستنتهي عقودهم وفق أحكام القانون.
وحول توفير البدائل، قال الشربيني إن الوحدات السكنية المتاحة حاليًا قد تكون محدودة أو مرتفعة التكلفة، مما دفع الحكومة إلى دراسة ضخ مزيد من الوحدات خلال الفترة المقبلة لتلبية احتياجات المستحقين.
وأشار الوزير إلى أن المدة الانتقالية المقترحة (خمس سنوات) لتحرير العلاقة الإيجارية ليست نهائية وقابلة للنقاش.
وشدد وزير الإسكان على أن الدولة لن تسمح بإخراج أي مواطن من مسكنه دون بديل ولن يترك أحدًا في الشارع.
وفي السياق ذاته، دعا رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب محمد الفيومي إلى دراسة المادة الخاصة بتوفير الوحدات البديلة بشكل أكثر تفصيلًا قبل اعتمادها نهائيًا.
جلسات الاستماع مستمرة
من المنتظر استمرار جلسات الاستماع لممثلي الجهات المعنية والمواطنين المتأثرين، بهدف الوصول إلى صيغة توافقية تضمن العدالة واستقرار المجتمع.
وتؤكد الحكومة أن هذه التعديلات تأتي في إطار إصلاح تشريعي طال انتظاره، لتحقيق التوازن بين الحقوق الاجتماعية والملكية الخاصة.