سر استقالة مدير المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية.. ما القصة؟

شهدت المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية اضطرابات جديدة عقب الاستقالة المفاجئة لمدير المؤسسة سثورامان بانشاناثان، حيث تم إنهاء مئات أخرى من المنح البحثية بنهاية الأسبوع، بالإضافة إلى المئات التي أُلغيت الأسبوع الماضي، وفقًا لما علمته مجلة "نيتشر" العلمية.
وتأتي عمليات الإلغاء الجديدة بعد بعد يوم واحد فقط من استقالة مدير المؤسسة، وعرض حوافز للموظفين للتقاعد المبكر بسبب "إعادة هيكلة مستقبلية، وتقليص أعداد الموظفين، وبيئة ميزانية مقيدة".
وكان المدير المغادر، سيثورامان بانشاناثان، قد تم تعيينه رئيسًا لإحدى أبرز الهيئات الداعمة للأبحاث الأساسية في العالم من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2019 خلال ولايته الأولى.
لكن ترامب، فى ولايته الثانية الان، يسعى إلى خفض ميزانية المؤسسة البالغة 9 مليارات دولار أمريكي بنسبة 55% وتقليص قوتها العاملة بنسبة 50%، وفقًا لمجلة "ساينس" العلمية.
وفي رسالة وداع إلى الموظفين، كتب بانشاناثان:"أنني فعلت كل ما بوسعي لدفع مهمة المؤسسة قُدمًا"، مضيفًا: "ورغم أن المؤسسة كانت دائمًا هيئة فعالة، فقد قبلنا التحدي بالبحث عن كفاءات إضافية ممكنة".
وتحدثت مجلة "نيتشر"مع سبعة موظفين في المؤسسة لأجل هذا التقرير، جميعهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مصرح لهم بالتحدث إلى الصحافة.
وقال الموظفون إنهم أصيبوا بالذهول جراء رحيل بانشاناثان المفاجئ، إذ قال أحدهم: “أحترمه أكثر بسبب قراره بالاستقالة وعدم توقيع شهادة وفاة المؤسسة”.
وأشاد نيل لين، المدير الأسبق للمؤسسة في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، ببانشاناثان، المعروف بلقب "بانش"، قائلاً: "لقد قام بانش بعمل رائع" وسط الجهود الرامية إلى "تقليص دور المؤسسة في مجالات العلوم والتعليم وغيرهما".
وأثنت المجلس الوطني للعلوم، الجهة المشرفة على المؤسسة، على بانشاناثان واصفةً إياه بأنه "رائع".
وسوف يتولى رئيس موظفى المؤسسة براين ستون مهام المدير مؤقتًا حتى يقوم البيت الأبيض بتعيين بديلاً دائمًا ويوافق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي. ولم يرد مكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا بالبيت الأبيض، الجهة المشرفة على المؤسسة، على طلب للتعليق.
ومنذ تولي ترامب (الجمهوري) الرئاسة، قامت المؤسسة بتجميد وإلغاء ثم إعادة منح التمويلات، وتسريح وإعادة توظيف موظفين، وتقليص برنامج زمالة الدراسات العليا من حوالي 2000 منحة إلى 1000.
وبدأت موجة الاضطرابات الأخيرة في 17 أبريل، حين تلقى موظفو المؤسسة تعليمات تتعلق باستقبال "زوار مهمين" من وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، وهي مبادرة بقيادة حليف ترامب إيلون ماسك تهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي وتقليص حجم القوى العاملة الفيدرالية.
وتشير تعليمات المؤسسة إلى أنه في حال تلقى الموظفون طلبًا "ينتهك أو لا يتبع الإجراءات السليمة"، يجب الاتصال بدوروثي أرونسون، مديرة قسم المعلومات بالمؤسسة.
ورغم التعليمات، حصل عضوان من وزارة الكفاءة الحكومية، لوك فارريتور وزاكاري تيريل، على وصول كامل إلى أنظمة إدارة المنح الخاصة بالمؤسسة، بدلاً من الاكتفاء بالوصول للقراءة فقط كما كان مقررًا.
في 18 أبريل، ومع وصول ثلاثة موظفين من وزارة الكفاءة إلى مقر المؤسسة في ألكسندريا بولاية فرجينيا، أوقفت المؤسسة تمويل أي منح بحثية جديدة لمدة أسبوع. وعلى الرغم من أن المؤسسة عادت لاستئناف إصدار المنح، إلا أنها منحت 377 منحة فقط لشهر أبريل مقارنة بـ 863 في نفس الشهر من العام الماضي.
وفي اليوم نفسه، بدأت المؤسسة بإلغاء منح بحثية سبق وأن تمت الموافقة عليها، بناءً على أوامر فيما يبدو من وزارة الكفاءة.
وتكشف قائمة داخلية حصلت عليها "مجلة نيتشر"أن المؤسسة ألغت ما لا يقل عن 387 منحة بقيمة 237 مليون دولار أمريكي، وقد تم بالفعل إنفاق نحو 45% من هذه الأموال. وكان أكثر من ثلث هذه المنح، أي حوالي 152 منحة، قد منحها قسم التعليم بالمؤسسة..
يذكر أن حوالي 80% من هذه المنح الملغاة تتداخل مع قائمة تضم حوالي 3500 منحة نشرها السناتور الجمهوري تيد كروز في فبراير، حيث زعم أن هذه المنح "تروج لمبادئ التنوع والمساواة والشمول (DEI)"، واصفًا هذه المبادئ بأنها "متطرفة".
وكشف تحليل أعده موظفو اللجنة الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي أن قائمة كروز تضمنت "عددًا كبيرًا من الأخطاء المحرجة" واعتمدت على منهجية معيبة.
كان من بين الباحثين الذين أُلغيت منحهم الأسبوع الماضي الدكتور تيريل مورتون، عالم النفس في جامعة إلينوي في شيكاغو، والذي كان يدرس قضايا العرق والتعليم.
وكانت منحة مورتون التي بلغت 2.8 مليون دولار أمريكي تمول فريقًا مكونًا من نحو 50 باحثًا لدراسة سبل دعم الطلاب السود في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
من جهة أخرى، تأثر أيضًا إريك ووسترو، الباحث في أمن الشبكات والكمبيوتر بجامعة كولورادو بولدر، الذي يدرس الرقابة في الدول الاستبدادية. وقد تم إنهاء منحة قدرها أكثر من 450 ألف دولار كانت مخصصة لتمويل أبحاثه الأسبوع الماضي.
وتواجه المؤسسة معارضة كبيرة داخليًا بسبب قرارات الإلغاء، وقال أحد الموظفين:"لقد انتهكت المؤسسة عملية مراجعة الجدارة التي أقرها الكونجرس، وأدخلت اعتبارات سياسية في قرارات التمويل."، مضيفا ان المؤسسة فقدت ثقة المجتمع العلمى.