شيخ الأزهر في مواجهة الصمت العالمي: نداء إنساني عاجل لإنقاذ أطفال غزة
على مدار عقود طويلة، ظل الأزهر الشريف، بقيادة علمائه وشيوخه، في مقدمة المؤسسات الدينية التي لم تساوم يومًا على الحق، ولم تتردد في الانحياز للمظلوم، وكانت القضية الفلسطينية دائمًا في صدارة هذا الموقف الثابت. وخلال عام 2025، تجدد هذا الدور بوضوح عبر مواقف صريحة وحاسمة للإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي واصل رفع صوته عاليًا دفاعًا عن فلسطين، وفضح جرائم الاحتلال، وتحريك الضمير الإنساني العالمي في وقت اختار فيه كثيرون الصمت أو التواطؤ.
لم يكن دعم شيخ الأزهر للقضية الفلسطينية موقفًا عابرًا أو رد فعل مؤقتًا، بل امتدادًا لمسار راسخ يؤمن بأن فلسطين قضية إنسانية قبل أن تكون سياسية، وأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة، يمثل جريمة أخلاقية مكتملة الأركان تستدعي تحركًا عالميًا عاجلًا.
نداء عالمي بلغتين.. رسالة تتجاوز الجغرافيا والسياسة
في مشهد يعكس حجم المسؤولية التي يحملها شيخ الأزهر تجاه الإنسانية جمعاء، وجّه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب نداءً عالميًا مؤثرًا، باللغتين العربية والإنجليزية، عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاطب فيه شعوب العالم وقادته ومؤسساته الدولية، داعيًا إلى تضامن عاجل وفوري مع أبرياء غزة.
النداء لم يكن مجرد بيان تضامني تقليدي، بل رسالة إنسانية عميقة حاولت كسر جدار الصمت العالمي، وتسليط الضوء على معاناة إنسانية مركبة يعيشها سكان القطاع، حيث يتقاطع العدوان العسكري المستمر مع ظروف مناخية قاسية، تزيد من حجم المأساة وتعري فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين.
غزة بين القصف والبرد.. مأساة إنسانية مضاعفة
سلّط شيخ الأزهر الضوء على زاوية إنسانية شديدة القسوة، حين أشار إلى أن سكان غزة الذين نجوا من القصف والإبادة، باتوا يواجهون خطرًا جديدًا لا يقل قسوة، يتمثل في الأمطار الغزيرة، والعواصف الشديدة، والبرد القارس، في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة.
وفي تغريدته المؤثرة، قال الإمام الأكبر:
«ما تشهده غزَّة من ظروفٍ مناخية قاسية هو اختبار حقيقي لضمير الإنسانية؛ فأبرياء نجَوا من عدوانٍ وإبادةٍ لا يحتملها بشر، يواجهون اليوم أمطارًا وعواصفَ وبردًا شديدًا، بينهم أطفال لا يجدون ما يقيهم قسوة الشتاء».
بهذه الكلمات، لم يكن شيخ الأزهر يصف حالة طقس عابرة، بل يرسم لوحة إنسانية دامية لأطفال بلا مأوى، وأسر بلا غطاء، ومرضى بلا دواء، في واحدة من أكثر المناطق حصارًا في العالم.
أطفال غزة في مواجهة الشتاء.. جريمة تتجاوز السلاح
ركز الإمام الأكبر في حديثه على معاناة الأطفال، باعتبارهم الحلقة الأضعف في هذه الكارثة الإنسانية، حيث يجد آلاف الأطفال أنفسهم عالقين بين ركام البيوت المدمرة، بلا ملابس تقيهم البرد، ولا خيام تحميهم من المطر، ولا أفق قريب لإنهاء معاناتهم.
هذا التركيز لم يكن عاطفيًا فقط، بل رسالة أخلاقية مباشرة إلى العالم، مفادها أن ما يحدث في غزة لم يعد مجرد صراع سياسي، بل جريمة إنسانية مفتوحة ضد الطفولة، والبراءة، ومستقبل شعب بأكمله
اختبار الضمير العالمي.. بين التضامن والتواطؤ
لم يتوقف خطاب شيخ الأزهر عند حدود الوصف، بل انتقل بوضوح إلى تحميل العالم مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، مؤكدًا أن المشهد في غزة يمثل لحظة فاصلة لا تقبل الحياد.
وقال الإمام الأكبر بوضوح:
«إمّا تضامنٌ حقيقيٌّ لإنقاذهم، وإمّا مشاركةٌ في تعميق آلامهم وجراحهم».
بهذه العبارة الحاسمة، وضع شيخ الأزهر المجتمع الدولي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التحرك الجاد لإنقاذ المدنيين، أو القبول الضمني بالمشاركة في الجريمة عبر الصمت، والتقاعس، وازدواجية المعايير.
مواقف ثابتة في زمن التراجع العربي والدولي
تأتي مواقف شيخ الأزهر في وقت يشهد فيه العالم حالة غير مسبوقة من التراجع الأخلاقي في التعاطي مع القضية الفلسطينية، حيث تغيب العدالة عن قرارات المؤسسات الدولية، وتختفي الإنسانية خلف الحسابات السياسية والمصالح الاقتصادية.
وسط هذا المشهد القاتم، برز صوت الأزهر كأحد الأصوات القليلة التي لم تساوم، ولم تغيّر بوصلتها، ولم تخضع للضغوط، مؤكدًا أن الدفاع عن فلسطين ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب ديني وأخلاقي وإنساني.

