الزكاة وصلة الرحم.. هل يجوز إعطاؤها للأخت الفقيرة؟
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتزايد معدلات الغلاء، يبرز سؤال شرعي حساس داخل كثير من الأسر المصرية: هل يجوز للرجل أن يخرج زكاة ماله لأخته الفقيرة؟
سؤال يجمع بين الرغبة في أداء فريضة شرعية عظيمة، والحرص على صلة الرحم، والخوف من الوقوع في مخالفة شرعية قد تُبطل الزكاة أو تُخرجها عن مقصدها.
هذا السؤال تلقته دار الإفتاء المصرية ضمن سلسلة الأسئلة اليومية التي ترد إليها من المواطنين، وجاءت إجابتها حاسمة وواضحة، مستندة إلى نصوص القرآن الكريم وأقوال الفقهاء، ومفصلة في الشروط والضوابط التي تحكم هذه المسألة.
الزكاة فريضة محكمة ومصارفها محددة
في مستهل ردها، أكدت دار الإفتاء المصرية أن الزكاة ليست تبرعًا اختياريًا، بل هي فريضة شرعية محكمة، تمثل الركن الثالث من أركان الإسلام، ولا تترك للأهواء أو الاجتهادات الشخصية.
وأوضحت أن الله سبحانه وتعالى تولّى بنفسه تحديد مصارف الزكاة في آية جامعة مانعة من كتابه العزيز، فقال جل شأنه:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
[التوبة: 60]
وأكدت الإفتاء أن هذه الآية وضعت إطارًا شرعيًا لا يجوز تجاوزه، وحددت بدقة الجهات المستحقة للزكاة.
من هم الفقراء والمساكين؟
انتقلت دار الإفتاء إلى توضيح مفهوم الفقراء والمساكين الوارد في الآية، مشيرة إلى أن الفقير هو من لا يجد كفايته الأساسية، أو يجدها بمشقة شديدة لا تليق بكرامة الإنسان، بينما المسكين هو من يملك بعض القوت لكنه لا يكفيه.
وبناءً على هذا التعريف، أكدت الإفتاء أن الأخت إذا كانت فقيرة بالمعنى الشرعي، أي لا تجد قوت يومها، أو تجد ما يكفيها بمشقة شديدة، فإنها تدخل ضمن المصارف الشرعية للزكاة، ويجوز للأخ أن يعطيها من زكاة ماله.
متى يجوز إعطاء الزكاة للأخت؟ ومتى لا يجوز؟
حسمت دار الإفتاء الأمر بقاعدة واضحة:
يجوز إعطاء الزكاة للأخت إذا كانت فقيرة أو مسكينة، ولا تجد كفايتها.
لا يجوز إعطاؤها الزكاة إذا كانت غنية، أو تملك ما يكفيها، أو لها دخل يغنيها عن الحاجة.
وأكدت أن الحكم مرتبط بالحال الواقعي للأخت وقت إخراج الزكاة، وليس بمجرد القرابة أو التعاطف الأسري.
الزكاة بين المال والعين: هل يجوز إخراجها في صورة بطاطين؟
ولم تقف الفتوى عند حد جواز إعطاء الزكاة للأخت الفقيرة، بل توسعت لتتناول مسألة شديدة الأهمية، وهي:
هل يجوز إخراج الزكاة في صورة بطاطين وأغطية شتوية بدلًا من المال؟
وأوضحت دار الإفتاء أن هذه المسألة محل اتفاق في الجملة بين الفقهاء، مع اختلاف في التفصيل:
يجوز للمزكي أن يخرج الزكاة نقدًا، ويترك للفقير حرية التصرف فيها وشراء ما يحتاجه.
كما يجوز إخراج الزكاة قيمة، أي شراء احتياجات الفقراء من مال الزكاة وتسليمها لهم، وهو قول الحنفية وغيرهم من أهل العلم.
الرأي المختار للفتوى: الجواز بشروط
أكدت دار الإفتاء أن الرأي المختار للفتوى هو جواز إخراج الزكاة في صورة بطاطين وأغطية شتوية، بشرطين أساسيين لا يجوز الإخلال بهما:
الشرط الأول: تحقق الحاجة
أن يكون الفقراء والمحتاجون في حاجة فعلية إلى هذه الأغطية، لا مجرد توزيع شكلي لا يراعي الواقع.
الشرط الثاني: التمليك
أن تُعطى هذه البطاطين للفقراء على سبيل التمليك الكامل، لا على سبيل الإعارة أو الاستخدام المؤقت، مع نية الزكاة.
التمليك شرط جوهري في صحة الزكاة
دعّمت دار الإفتاء رأيها بأقوال كبار فقهاء المذاهب، حيث نقلت عن الإمام السرخسي الحنفي قوله في كتاب المبسوط:
"والأصل فيه أن الواجب فيه فعل الإيتاء في جزء من المال ولا يحصل الإيتاء إلا بالتمليك، فكل قربة خلت عن التمليك لا تجزي عن الزكاة."
كما نقلت عن الإمام الرملي الشافعي في نهاية المحتاج تأكيده على شرط النية، وأن الزكاة لا تصح إلا بنية خالصة في القلب.
النية.. قلب الزكاة وروحها
شددت الفتوى على أن النية ليست أمرًا شكليًا، بل هي جوهر العبادة، فلا تصح الزكاة إلا إذا نوى المزكي بقلبه أنها زكاة مفروضة، سواء أخرجها مالًا أو عينًا.