أسعار النفط تحت الضغط.. تقدم محادثات أوكرانيا يعيد شبح فائض المعروض للأسواق
في أجواء تداول اتسمت بالهدوء النسبي عقب عطلة عيد الميلاد، شهدت أسواق النفط العالمية تراجعًا ملحوظًا في الأسعار، وسط حالة ترقّب حذرة من المستثمرين لتطورات سياسية قد تعيد رسم خريطة الإمدادات العالمية هذا التراجع لم يكن وليد عوامل اقتصادية تقليدية فحسب، بل جاء متأثرًا بشكل مباشر بتقدم جديد في محادثات السلام المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، وهي المحادثات التي ظلت متعثرة لفترات طويلة وألقت بظلالها الثقيلة على أسواق الطاقة منذ اندلاع النزاع.
الانخفاض الأخير أعاد إلى الواجهة مخاوف قديمة متجددة تتعلق بعودة كميات كبيرة من النفط الروسي إلى السوق العالمية، في وقت تعاني فيه الأسواق أصلًا من فائض في المعروض، ما يهدد بتقويض أي محاولات لاستقرار الأسعار خلال المرحلة المقبلة.
أرقام تعكس قلق المستثمرين
الأرقام المسجلة في ختام جلسات التداول كشفت عن حجم التأثر السريع للأسواق بالأخبار السياسية فقد انخفض خام غرب تكساس الوسيط بنسبة بلغت نحو 2.8% في تداولات يوم الجمعة، ليستقر قرب مستوى 57 دولارًا للبرميل، مسجلًا بذلك أكبر تراجع يومي له منذ منتصف نوفمبر الماضي.
في الوقت ذاته، أغلق خام برنت، وهو المعيار العالمي الأبرز لتسعير النفط، دون مستوى 61 دولارًا للبرميل، في إشارة واضحة إلى اتساع دائرة الضغوط البيعية في السوق.
هذه التحركات السعرية جاءت في جلسات محدودة السيولة نسبيًا بسبب الإجازات، ما يعني أن رد الفعل قد يكون أكثر حدة في حال عودة النشاط الكامل للأسواق خلال الأيام المقبلة، خاصة إذا ما تعززت المؤشرات السياسية الداعمة لإنهاء النزاع.
محادثات السلام: العامل الحاسم في المشهد
التحول في مزاج السوق ارتبط بشكل مباشر بتقارير عن إحراز تقدم في محادثات السلام بين موسكو وكييف، وهي المحادثات التي ينظر إليها المستثمرون باعتبارها مفتاحًا لعودة النفط الروسي بشكل أوسع إلى الأسواق الدولية، فمنذ فرض العقوبات الغربية على روسيا، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، تقلصت الإمدادات المتاحة رسميًا، ما ساهم في دعم الأسعار خلال فترات سابقة.
إلا أن أي اتفاق محتمل لإنهاء الحرب، أو حتى تخفيف حدتها، قد يفتح الباب أمام تخفيف العقوبات أو إعادة توجيه الصادرات الروسية بسهولة أكبر، وهو سيناريو تخشاه الأسواق في ظل وفرة الإمدادات الحالية وعدم وجود نمو قوي في الطلب العالمي يعوض هذه الزيادة المحتملة.
فائض المعروض يفرض نفسه مجددًا
تعاني سوق النفط العالمية منذ أشهر من اختلال واضح بين العرض والطلب. فالإنتاج المرتفع من بعض الدول المنتجة، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي في عدد من الاقتصادات الكبرى، خاصة في أوروبا وآسيا، أدى إلى تراكم المخزونات وخلق حالة من التشبع في السوق.
ومع احتمالية عودة كميات إضافية من النفط الروسي، تتزايد المخاوف من تفاقم هذا الفائض، الأمر الذي قد يدفع الأسعار إلى مزيد من التراجع، ما لم تتحرك الدول المنتجة، وعلى رأسها تحالف “أوبك+”، لإعادة ضبط مستويات الإنتاج بشكل أكثر صرامة.
تحركات أوبك+ تحت المجهر
في خضم هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى تحالف “أوبك+” الذي يضم كبار المنتجين، لمعرفة ما إذا كان سيتدخل مجددًا لدعم الأسعار عبر خفض إضافي للإنتاج غير أن قدرة التحالف على المناورة تبدو محدودة، في ظل تباين المصالح بين أعضائه، والضغوط التي تواجهها بعض الدول لزيادة الإيرادات النفطية.
ويؤكد محللون أن أي قرار جديد من “أوبك+” سيكون مرهونًا بتطورات الملف الأوكراني خلال الأسابيع المقبلة، ومدى جدية التقدم المحقق في المحادثات السياسية، إضافة إلى مؤشرات الطلب العالمي مع دخول العام الجديد.
المستثمرون بين الحذر والترقب
حالة الترقب تسيطر على سلوك المستثمرين في أسواق الطاقة، إذ باتت الأخبار السياسية تلعب دورًا لا يقل أهمية عن البيانات الاقتصادية التقليدية.
فالمستثمرون يدركون أن أي انفراجة سياسية قد تقلب موازين السوق بسرعة، بينما يبقى احتمال تعثر المفاوضات قائمًا، وهو ما قد يعيد الدعم للأسعار مؤقتًا.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يتجه العديد من المتعاملين إلى تقليص مراكزهم أو تبني استراتيجيات أكثر تحفظًا، انتظارًا لوضوح الرؤية بشأن مستقبل الحرب الأوكرانية وتأثيرها الفعلي على تدفقات النفط العالمية.
سيناريوهات مفتوحة للمرحلة المقبلة
يبقى مستقبل أسعار النفط رهين مجموعة من العوامل المتداخلة، على رأسها المسار السياسي للحرب في أوكرانيا، وسياسات الإنتاج لدى كبار المنتجين، إضافة إلى أداء الاقتصاد العالمي ومستويات الطلب على الطاقة.
فإذا ما تُوّجت المحادثات باتفاق فعلي، فقد تشهد الأسواق مرحلة جديدة من الضغوط السعرية، قد تمتد آثارها إلى الموازنات العامة للدول المنتجة.