رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

السودان ينزف.. كيف حوّل الدعم السريع البلاد إلى ساحة قتل ونزوح جماعي؟

الدمار فى السودان
الدمار فى السودان

كل يوم يمر يجلب مستويات صادمة من العنف والدمار، ومعاناة هائلة لا تُوصف، دون أي أفق لنهاية هذه المأساة».. بهذه الكلمات القاتمة لخّصت الأمم المتحدة المشهد السوداني خلال عام 2025، عام تحوّل فيه الصراع المسلح إلى حرب استنزاف شاملة، دفعت البلاد إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخها الحديث.

عام كامل مرّ على السودان، لم يعرف فيه المواطن سوى صوت الرصاص، ورائحة البارود، ومرارة النزوح، بينما كانت المدن تسقط واحدة تلو الأخرى، وتتآكل مقومات الحياة، وتغيب الدولة عن مساحات شاسعة من الجغرافيا السودانية.

ميليشيا الدعم السريع في قلب العاصفة

لم تكن ميليشيا الدعم السريع مجرد طرف عابر في النزاع، بل تحوّلت، وفق تقارير أممية متواترة، إلى أحد أبرز أسباب تفاقم المأساة الإنسانية.
الانتهاكات التي نُسبت لعناصرها لم تقتصر على الاشتباكات العسكرية، بل امتدت إلى المدنيين العزل، عبر القتل الجماعي، والعنف الجنسي، والاعتقالات القسرية، ونهب الممتلكات، في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني.

تقارير الأمم المتحدة أشارت بوضوح إلى نمط ممنهج من الانتهاكات، لا سيما في إقليم دارفور، حيث عادت إلى الواجهة مشاهد طالما اعتقد السودانيون أنها أصبحت جزءًا من الماضي، لكنها عادت أكثر وحشية، وأوسع نطاقًا.

الفاشر.. المدينة التي كسرت ميزان الحرب

كانت مدينة الفاشر عنوانًا بارزًا للمأساة خلال عام 2025. فبعد حصار خانق استمر أكثر من 500 يوم، سقطت المدينة في أواخر أكتوبر بيد ميليشيا الدعم السريع، لتتحول لحظة السقوط إلى واحدة من أكثر المحطات دموية في مسار الحرب السودانية.

الفاشر، العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، لم تكن مجرد مدينة، بل كانت آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، ونقطة ارتكاز عسكرية وإستراتيجية بالغة الأهمية سقوطها لم يكن حدثًا عسكريًا فقط، بل زلزالًا سياسيًا وإنسانيًا أعاد رسم خريطة الصراع.

نزوح جماعي.. مدن تُفرغ وسكان يُقتلعون

مع سقوط الفاشر، اندفعت موجات بشرية هائلة إلى المجهول أكثر من 100 ألف شخص فرّوا خلال أيام قليلة، معظمهم من النساء والأطفال، تاركين خلفهم منازلهم وأحياءهم وذكرياتهم، ليبدأوا رحلة نزوح قاسية بلا ضمانات للنجاة.

الأمم المتحدة أكدت أن أكثر من مليون شخص نزحوا من الفاشر منذ اندلاع الحرب، بعضهم لجأ إلى أطراف المدينة، وآخرون شقّوا طريقهم نحو مدينة طويلة، الواقعة على بُعد نحو 45 ميلًا غربًا، وسط ظروف إنسانية شديدة القسوة.

أرقام صادمة.. السودان على حافة الانهيار الإنساني

في مشهد يعكس حجم الكارثة، تقدّر المنظمة الدولية للهجرة أن السودان، بكل ولاياته الثماني عشرة، يحتضن أكثر من 9.3 مليون نازح داخلي، إلى جانب أكثر من 3 ملايين عائد في تسع ولايات.
الأخطر أن أكثر من نصف هؤلاء من الأطفال، جيل كامل ينشأ وسط الحرب، محرومًا من التعليم، والرعاية الصحية، والاستقرار النفسي.

التقارير كشفت أن ما يقرب من ثلث العائلات النازحة، وخُمس الأسر العائدة، قضت يومًا وليلة كاملين دون طعام، في مؤشر صادم على تفشي الجوع، وانهيار شبكات الإغاثة، وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة.

أطفال تحت النار.. جيل يأكل علف الماشية

في الفاشر وحدها، لا يزال نحو 260 ألف مدني محاصرين، نصفهم من الأطفال، بلا أي شكل من أشكال المساعدة.
صور وشهادات مؤلمة خرجت من قلب المدينة، تتحدث عن لجوء عائلات كاملة إلى أكل علف الماشية للبقاء على قيد الحياة، في مشهد يلخص إلى أي مدى انحدرت الأوضاع الإنسانية.

هؤلاء الأطفال، الذين كان يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، وجدوا أنفسهم في طوابير النزوح، أو تحت الأنقاض، أو في مواجهة الجوع والمرض، في ظل غياب شبه كامل للخدمات الأساسية.

صراع بلا أفق.. والضحايا هم المدنيون

الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام بين ميليشيا الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لم تُظهر حتى الآن أي بوادر لحل سياسي أو تهدئة ميدانية.
وعلى العكس، فإن عام 2025 شهد تصعيدًا غير مسبوق، جعل المدنيين وقودًا للصراع، وضاعف من حجم المأساة الإنسانية.

المدن تُحاصر، القرى تُفرغ، والمخيمات تضيق بسكانها، بينما يظل المجتمع الدولي عاجزًا عن فرض حلول حاسمة، مكتفيًا بالتحذير من كارثة إنسانية توصف بأنها الأسوأ عالميًا في الوقت الراهن.

تم نسخ الرابط