رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

هل الاحتفال برأس السنة الميلادية حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

مع اقتراب بداية السنة الميلادية، يتجدد الجدل داخل المجتمع حول حكم الاحتفال بهذه المناسبة، وما يصاحبها من مظاهر فرح وتعليق زينة وتبادل تهاني، ليتحول السؤال من نقاش اجتماعي عابر إلى مسألة فقهية يطلب كثيرون فيها رأيًا شرعيًا واضحًا.

وفي هذا السياق، تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا مباشرًا: هل الاحتفال ببداية السنة الميلادية، بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال كتعليق الزينة، يُعد حرامًا شرعًا؟

الإفتاء: الاحتفال جائز ولا حرمة فيه

أكدت دار الإفتاء المصرية في فتواها أن الاحتفال ببداية السنة الميلادية، المؤرخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، جائز شرعًا ولا حرج فيه، ما دام لا يشتمل على طقوس دينية تخالف عقيدة الإسلام، ولا يُلزم المسلمين بممارسات تعبُّدية غير مشروعة.

وشددت الإفتاء على أن هذا الاحتفال بات مناسبة اجتماعية ووطنية عامة، تدخل في إطار التذكير بأيام الله، والتعبير عن الفرح بتداول الأعوام، وليس فيه ما يتعارض مع ثوابت الشريعة الإسلامية

مقاصد متعددة للاحتفال برأس السنة الميلادية

أوضحت دار الإفتاء أن الاحتفال برأس السنة الميلادية لا يُنظر إليه من زاوية واحدة، بل تندرج تحته ثلاثة مقاصد رئيسية: اجتماعية، ودينية، ووطنية، وكلها مقاصد معتبرة شرعًا ولا تصطدم بأحكام الإسلام.

فالناس يودِّعون عامًا مضى ويستقبلون عامًا جديدًا، وفق التقويم الميلادي المرتبط بميلاد نبي الله عيسى عليه السلام، والاختلاف التاريخي حول توقيت مولده لا ينفي صحة الاحتفال؛ لأن المقصود هو المعنى، لا مجرد التاريخ.

المقصد الاجتماعي: شكر نعمة تداول الأيام

بيّنت الإفتاء أن من أبرز المقاصد الاجتماعية للاحتفال برأس السنة الميلادية استشعار نعمة الله في تداول الأيام والسنين، فالحياة في ذاتها نعمة، وتجدد الأعوام شاهد على استمرارها.

وأكدت أن تبادل التهاني وإظهار السرور بين الناس يدخل في باب المباح، بل المستحب، مشيرة إلى أن الفقهاء نصوا على جواز التهنئة بقدوم الأعوام والشهور، باعتبارها مناسبات للفرح المشروع.

ونقلت الإفتاء عن الإمام زكريا الأنصاري الشافعي، ما يفيد أن التهنئة بالأعوام مباحة شرعًا، لا تُعد سنة لازمة ولا بدعة محرمة، بل من العادات الجارية بين الناس.

المقصد الديني: مولد نبي كريم له مكانة في الإسلام

أما المقصد الديني، فأكدت دار الإفتاء أنه يرتبط بميلاد نبي من أولي العزم، وهو سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، الذي يحتل مكانة عظيمة في العقيدة الإسلامية.

فمولده كان معجزة إلهية فريدة، خُلق فيها من أم بلا أب، كما ورد في قوله تعالى:
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.

وشهد مولده آيات كونية ومعجزات إلهية، منها ما ذُكر في القرآن الكريم من تيسير الولادة للسيدة مريم عليها السلام، وإنبات الرطب في غير أوانه، تأكيدًا لقدرة الله وتكريمًا لهذا المولد المبارك.

القرآن يخلّد الذكرى ويأمر بالتذكير

لفتت الإفتاء إلى أن القرآن الكريم خلّد قصة ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام في سورة مريم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتذكُّر هذه الذكرى، مؤكدًا قدسية هذا اليوم، حيث قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:
﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.

وبيّنت أن الفرح بمولد الأنبياء داخل في باب الشكر لله على نعمة إرسالهم هداية للبشرية، وهو معنى مشروع ومندوب إليه، لا سيما أن المسلمين يؤمنون بجميع الأنبياء دون تفريق.

الرد على شبهة «اليوم لا يتكرر»

ردّت دار الإفتاء على من يمنع الاحتفال بحجة أن يوم المولد لا يتكرر، مؤكدة أن هذا القول باطل شرعًا، لأنه يُعطّل الأمر الإلهي بالتذكير بأيام الله.

وأوضحت أن التذكير بالأحداث العظيمة يستلزم تجديد ذكراها، وليس حصرها في يوم وقوعها فقط، مستشهدة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصوم يوم الاثنين شكرًا لله على يوم مولده، كما ورد في الحديث الصحيح.

المقصد الوطني: تعزيز المواطنة والتعايش

أما المقصد الوطني، فاعتبرت الإفتاء أن رأس السنة الميلادية تمثل عيدًا لشركاء الوطن من غير المسلمين، وقد أقر الإسلام أصحاب الديانات السماوية على أعيادهم، ودعا إلى التعايش والتآلف بين أبناء الوطن الواحد.

وأكدت أن المشاركة الاجتماعية التي لا تمس العقيدة تُعزز قيم المواطنة، والاستقرار المجتمعي، وحسن المعاملة، وهي مقاصد كبرى جاءت بها الشريعة الإسلامية.

تم نسخ الرابط