في عيد ميلاد صلاح جاهين.. شاعر البهجة الذي ترك أسئلته مفتوحة حتى اليوم
لم يكن صلاح جاهين مجرد شاعر يكتب للضحك، ولا فنانًا يصنع البهجة بوصفها غاية نهائية، خلف تلك الروح الخفيفة التي تسكن أغانٍ للأطفال، ورسومات كاريكاتير ساخرة، وأشعار عامية سهلة التداول، كان يقف إنسان شديد الحساسية، مثقل بأسئلة كبرى عن الحياة والمعنى والمصير.
صانع البهجة رغم حزنه
عرفه الناس ضاحكًا، بينما عرف هو نفسه قلقًا، امتلك موهبة نادرة في تحويل الألم إلى سخرية، والوجع إلى جملة بسيطة تُضحكك أولًا، ثم تتركك في مواجهة سؤال لا إجابة له.
وربما لهذا السبب تحديدًا بقيت أعماله حيّة؛ لأنها لم تكن مصطنعة ولا مزيّفة، بل نابعة من تجربة إنسانية صادقة.
في «الرباعيات»، يظهر صلاح جاهين في أكثر حالاته تجردًا، أربعة أسطر قصيرة تتحول إلى مساحة اعتراف، وسيرة ذاتية غير معلنة، يتأرجح فيها بين الإيمان والشك، الرضا والتمرد، الأمل والخوف.
صوت الشارع والناس
لم يكتب ليُقنع، بل ليُشارك القارئ حيرته، وكأن الكتابة كانت وسيلته الوحيدة لفهم العالم أو احتماله.
اختار العامية المصرية لا بوصفها لغة سهلة، بل باعتبارها الأقدر على الوصول المباشر إلى الناس، دون وساطة أو تعالٍ. كتب للطفولة لأنه كان يبحث عن البراءة، وكتب للناس لأنه كان واحدًا منهم، لم ينظر إلى الشعر كترف ثقافي، بل كأداة نجاة شخصية، ومحاولة دائمة للتصالح مع واقع متقلب.
حضور رغم الرحيل
ورغم مرور سنوات طويلة على رحيله، لا يبدو صلاح جاهين جزءًا من الماضي. كلماته لا تزال متداولة، وجُمله تُقتبس، وأفكاره تعود كلما اشتدت الحيرة.
السبب أن لغته لم تشخ، وأن أسئلته لا تزال راهنة في زمن يزداد فيه الضجيج ويقل فيه اليقين.
كما أن جاهين لم يدّعِ امتلاك الحقيقة يومًا، بل قدّم نفسه إنسانًا يشك ويسأل ويخاف، وهي صفات تجعل حضوره متجددًا لدى أجيال لم تعاصره.
لذلك يظهر اليوم عبر وسائل مختلفة في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أغنية قديمة تعود فجأة، أو كاريكاتير يبدو وكأنه كُتب لهذا العصر.
في ذكرى ميلاده، لا يُستدعى صلاح جاهين باعتباره رمزًا ثقافيًا فقط، بل باعتباره صوتًا إنسانيًا لا يزال قادرًا على التعبير عما نعجز عن قوله.