رجب الأصم والأصبّ والفرد.. دلالات شهر حرام في ميزان الشريعة
يطلّ علينا شهر من أشهر السنة الحرم، يحمل بين أيامه معاني قديمة وعميقة في التراث الإسلامي، ويشكل مرحلة إعداد روحية مهمة قبل حلول رمضان المبارك.
الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، يوضح أسرار هذا الشهر الفضيل وأهمية الاستعداد له بالطاعة والتوبة.
شهر الحرم.. لماذا حُرم رجب؟
أكد الدكتور علي جمعة أن شهر رجب يُعد من الأشهر الحرم، أي الشهور التي تعظم فيها حرمة المعاصي، مؤكداً أن الانتهاك في هذه الفترة أشد حرمة مقارنة ببقية أيام السنة ويأتي هذا التحذير في إطار التذكير بأن هذه الأشهر تحمل قدسية خاصة، ويجب على المسلمين اغتنامها للتقرب إلى الله، وتجنب الذنوب، والعودة إلى المسار الصحيح للعبادة والتقوى.
أسماء رجب ودلالاتها
يتميّز شهر رجب بعدة أسماء، كل منها يحمل دلالة روحية وتاريخية:
رجب الفرد: سمّي بذلك لأنه يأتي منفردًا خارج التسلسل المعتاد للشهور الحرم مثل ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وهو شهر يظهر فيه التفرّد بمكانته وفضله بين الشهور.
رجب الأصم: لقلة القتال فيه، إذ لا يُسمع قعقعة السلاح، وهو شهر تتراجع فيه النزاعات ويهيمن السلام.
رجب الأصبّ: سمّي بذلك لأنه شهر يصب فيه الله البركات والرحمات والسكينة على عباده، ويعتبر فرصة للتزود بالخير واستعادة الروحانيات المفقودة خلال العام.
هذه التسميات ليست مجرد ألفاظ، بل تعكس مفهوم الشهر كفترة مقدسة للتأمل، والتهذيب الروحي، والتقرب من الله.
التحضير لشهر رمضان.. واجبنا في رجب
وأشار الدكتور جمعة إلى أن شهر رجب بمثابة مقدمة رمضانية، وفرصة لتهيئة النفس لشعبان ورمضان وقال إن علينا أن نستعد لهذا الشهر بالانتقال من دائرة غضب الله إلى رضاه، ومن معصيته المستمرة إلى المسارعة للتوبة والرجوع إليه.
وأضاف أن التوبة الصادقة تتطلب العزم على عدم العودة إلى المعاصي، مع الاعتراف بأن خطأ الإنسان أمر طبيعي، مستشهداً بحديث النبي ﷺ: "كلُّ بني آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوّابون"، موضحًا أن صيغة "فعّال" في الكلمات تعكس كثرة الفعل وتكراره، ما يحث على الإكثار من التوبة.
التوبة المتكررة.. مفتاح السعادة والسكينة
وأكد الدكتور جمعة أن كل من يقع في الإثم لا ينبغي أن ييأس، بل يجب العودة إلى الله، الذي يفرح بتوبة عبده، كما ورد في حديث صحيح مسلم يصف فرحة الله بعودة العبد إليه هذه العودة تمثل تحولًا من اليأس إلى الأمل، ومن الذنوب إلى الطاعات، وهو جوهر الرسالة الروحية لشهر رجب.