ترامب يشعل أمريكا.. تهديدات مباشرة بإلغاء المواطنة بالولادة وفتح أخطر معارك الدستور الحديث
في خطوة تعيد إشعال واحدة من أكثر القضايا حساسية في السياسة الأمريكية، عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليفتح ملف “المواطنة بالولادة”، ملوّحًا بإمكانية إلغاء هذا الحق التاريخي الذي ضمنه الدستور منذ أكثر من 150 عامًا، ورغم أن المحكمة العليا وافقت مؤخرًا على النظر في قضية تتعلق بمشروعية تحركاته السابقة لإنهاء هذا الحق، فإن تصريحات ترامب الأخيرة أضافت طبقة جديدة من الغموض والقلق إلى القضية، بعدما رفض الإفصاح عن خططه في حال فوزه قانونيًا، محذرًا في الوقت نفسه من “نتائج مدمّرة” إذا خسر.
المواطنة بالولادة: حق دستوري عمره 156 عامًا
التعديل الرابع عشر… الأساس الذي لا يزال محل اختبار
المبدأ المعروف بـ"المواطنة بالولادة" أُقر في عام 1868 ضمن التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، بعد الحرب الأهلية مباشرة، لضمان حقوق المولودين على الأراضي الأمريكية، وعلى رأسهم أبناء العبيد المحررين وبموجب هذا النص، يُمنح أي شخص يولد داخل الولايات المتحدة الجنسية تلقائيًا، بغضّ النظر عن وضع أو أصل والديه.
ورغم أن التعديل كان يهدف في الأساس إلى معالجة آثار الرق وإزالة القيود العنصرية على المواطنة، فقد أصبح اليوم حجر الزاوية في سياسات الهجرة، وموضوعًا دائمًا للنقاشات الحزبية، خاصة عند صعود الخطاب الشعبوي في الانتخابات.
قرارات المحكمة العليا.. خطوة تفتح الجدل من جديد
موافقة قضائية تزيد من سخونة الملف
موافقة المحكمة العليا على النظر في القضية المتعلقة بمحاولات ترامب خلال فترة رئاسته لإلغاء المواطنة بالولادة مثّلت حدثًا غير مسبوق، إذ لم يناقش القضاء الأمريكي على مستوى “الدستورية” جوهر هذا الحق منذ أكثر من قرن فتح هذا الباب القانوني أعاد الأسئلة الكبرى: هل يمكن لأي رئيس حتى بموافقة المحكمة تعديل أحد أركان التعديل الرابع عشر؟ وهل يسمح الدستور أصلًا بذلك؟
وبينما يرى قانونيون أن مجرد نظر المحكمة في القضية يمثل خطرًا على مبدأ مستقر منذ عقود، يعتبر آخرون أن القرار لا يعني بالضرورة قابلية الحق للتعديل، لكنه يختبر مدى صلاحيات السلطة التنفيذية في إعادة تفسير الدستور.
ترامب في مواجهة الصحافة.. رسائل مزدوجة ومعركة سياسية
إجابات ضبابية… ورسالة انتخابية واضحة
خلال مقابلة مع مجلة “بوليتيكو”، تجنّب ترامب تقديم إجابة مباشرة حول ما إذا كان سيسعى لسحب جنسية من وُلدوا في أمريكا في حال انتصاره قضائيًا، مكتفيًا بعبارة: “بصراحة، لم أفكر في ذلك بعد.” لكن ترامب، المعروف بقدرته على استخدام الغموض لتوجيه الرأي العام، سرعان ما تجاوز التصريح، معتبرًا أن خسارة القضية ستكون “مدمرة”.
وبتحليله لأصول التعديل الرابع عشر، قال ترامب إن المبدأ كان “موجهًا لأطفال العبيد” بعد الحرب الأهلية، وليس “لأشخاص أغنياء يأتون من دول أخرى ويضعون قدمًا على أرضنا، فتُمنح عائلاتهم كلها الجنسية على الفور.”
ويعد هذا الخطاب تكرارًا لوجهة نظر يمينية متشددة تعتبر أن بعض المهاجرين “يستغلون” الحق الدستوري لتثبيت وضعهم القانوني من خلال ما يُسمّى “سياحة الولادة”.
أسماء في دائرة الضوء.. إشارات سياسية لا تمر مرور الكرام
إيلون ماسك وأسماء أخرى… بين التلميح والتصعيد
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلمّح فيها ترامب إلى إمكانية التشكيك في جنسية شخصيات عامة. فقد سبق أن أثار الجدل عندما تحدث عن احتمالية “عدم قانونية” جنسية شخصيات مثل إيلون ماسك، وروزي أودونيل، وزهران مامداني، ما دفع مراقبين لاعتبار ذلك جزءًا من خطابه لاستهداف خصوم سياسيين أو شخصيات ذات نفوذ تتعارض مواقفها مع سياساته.
ويرى محلّلون سياسيون أن إدراج هذه الأسماء في سياق الحديث عن المواطنة ليس عرضيًا، بل يسعى من خلاله ترامب إلى إرسال رسائل انتخابية لقاعدته السياسية تؤكد استعداده لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا بشأن الهجرة والمواطنة.
هل نحن أمام تعديل غير معلن للدستور؟
ما بين الواقع القانوني والطموح السياسي
يتفق أغلب خبراء القانون الدستوري على أن أي تغيير في مبدأ المواطنة بالولادة يحتاج إلى تعديل دستوري صريح، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الانقسام السياسي الحالي.
لكن محاولات ترامب تستهدف وفق بعض التحليلات إعادة صياغة فهم الدستور، عبر خلق سابقة قانونية تمنح الرئيس سلطة أوسع في تفسير التعديل الرابع عشر.
ويرى آخرون أن التصريحات ليست سوى جزء من حملة سياسية تهدف إلى استثمار المخاوف الشعبية من الهجرة غير الشرعية، وخلق معركة سياسية ترفع من معدلات التأييد داخل القاعدة الجمهورية.